كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) (١) ولم يقيّد بالآخرة وظاهرها الدنيا.
ويظهر من هنا أنّ من وجد نفسه بالحبّ والإتباع فليستبشر بالولاية ومغفرة الذنب ، وأيضا ، إنّ من إنقلع عن ذنب حبا لله سبحانه فليتحقق بمغفرته ، فما المغفرة إلّا ستره سبحانه أو إمحائه وبال الذنب عن القلب ، قال سبحانه : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (٢) ، فإذا أحسّ بانقلاع القلب عن الذنب فهو المغفرة.
وبالجملة ، فصراط الولاية صراط الحبّ.
ثم أقول : وأفعال الإنسان يرتضع من الوصف الغالب الراسخ في نفسه ، وكذا عامة أوصافه من الوصف النفساني المستقر فيه ، وذلك كمواليد الأنواع تشاكل أمهاتها ، وأبناء النوع تستأنس وتجتمع عند صاحبتها كالحمام على الحمامة ، فلا تكاد ترى متكبرا طاغيا إلّا وعامّة أفعاله وأقواله مصاديق للتكبّر والطغيان ، ولا مترفا لاهيا إلّا وقيامه وقعوده وكلامه وسكوته أنواع الأتراف واللهو وهكذا ، وقد قال سبحانه : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (٣).
وإذ كان الأمر على ذلك ، فغريزة المحبة هي العنوان لما يستقبله المحبّ من أوصاف وأفعال وهي وإن كانت محدودة يسيرة في جنب جماعات الأوصاف والأفعال التي في حومة النفوس عند أول بروق بارقتها ، لكنّها لا تزال تسري من واحد إلى آخر ، ومن قرين إلى قرين حتى تفني الجميع وتهدم الأساس
__________________
(١). الإنسان (٧٦) : ٥ ـ ٦.
(٢). البقرة (٢) : ٢٢٥.
(٣). الإسراء (١٧) : ٨٤.