وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١). بان عنده بطلان العلوم والآراء المبني عليها نظام الإجتماع وأساس الحياة الدنيا وتبدّل عنده ما كان يذعنه ويعتبره مما يسمعه أو يعقله من المعارف الإلهية المتعلّقة بالمبدأ والمعاد وغيرهما من الحقائق ، تبدّل الباطل بالحق ونسخ الظلمة بالنور ، (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٢).
ثم بعدئذ يأخذ اساس الاسباب التي كانت تقف عندها القلوب ، وتغترّ بتأثيرها النفوس ، في الإضطراب والتزلزل ، فلا يزال يشتدّ إيمانه بأنّ الأمر إلى الله سبحانه ، وأنّ الملك والربوبيّة والولاية له وحده لا شريك له ، فلا يزال يتسع نطاقه في الأفعال ، ثم في الأوصاف ، فيعقل حقيقة الملك وحدّ النسب الذي في الأشياء ، ومكان ملكه سبحانه لها ، فليس لها من نفسها وتأثيراتها شيء إلّا بإذن الله ، يعقّل ذلك تعقّل المشاهد لا خيال المتوهّم ، فهذا الإنسان يسير من جانب إلى الراحة والسلام ، كلّما بدا له سقوط سبب من الإستقلال في تأثيره ، انهدم من أركان اضطرابه وتشويشه ، وخوفه وحزنه ، وكل مكروه يناله بمقداره ، حتى إذا سرى الأمر في الجميع تخلّص عن كل محذور يهابه ، وشرّ يخافه ومكروه يتوقّعه ، فليس له شيء يخاف عليه ، أو يحزن له ، ولا لغير الله سبحانه تأثير وأمر يخشاه. قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٣) ، وقال : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٤).
__________________
(١). الدخان (٤٤) : ٣٨ ـ ٣٩.
(٢). البقرة (٢) : ٢٥٧.
(٣). الرعد (١٣) : ٢٨.
(٤). يونس (١٠) : ٦٢.