ومن جملتها عبادة العابد رغبة في الجنة ، وعبادته خوفا من النار ، وعبادته حبّا للعبادة ، فكلّ ذلك من الشرك حقيقة غير مندوب إليه في حقيقة الخطابات الإلهية ، وقد مرّت عدّة من الروايات في سورة الفاتحة عند قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) في ذلك.
ثم أقول : وأنت إذا تأمّلت في إراداتك وجدنك لا تزيد شيئا إلّا لغاية تحبّ أن تنالها ، فلا إرادة إلّا عن حبّ ، وهذا حكم وجداني لا يحتاج إلى إقامة برهان ، وهذا هو السبب لما يقال : إنّ صراط الولاية صراط الحبّ ، أي سبيل مقطوع بالحب.
وقد تحصّل من قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) إلى قوله : (بِالظَّالِمِينَ) (٢) فيما مرّ أنّ آية ذلك تمنّي اللقاء وعدم الظلم ، أي فقدان المعصية ووجدان الحبّ ، فجلّ عتبة الحق سبحانه أن ينسب إليه المجاز في أمثال هذه الحقائق ، وعزّ جنابه أن يتحقّق معه لقاء جسماني ، فما حبّ لقاء الله سبحانه إلّا حبّ الله عزوجل حيث لا يحجب عن الحضور معه حواجب الذنوب وموانع المعاصي ، فالولاية كما مرّ هي طريق الحب المنعكس ، ويغفر عنده الذنوب فينطبق بعينه على قوله سبحانه. (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (٣).
ومن الدليل على رفعة قدر الحب ما في سورة يوسف وخاصة من قوله : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) (٤) إلى آخرها ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ
__________________
(١). الفاتحة (١) : ٧.
(٢). الجمعة (٦٢) : ٦ ـ ٧.
(٣). آل عمران (٣) : ٣١.
(٤). يوسف (١٣) : ٣٠.