بعيدة ، قال سبحانه : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (١) وقال سبحانه : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٢).
ولا يغرّنك إطلاق العلم على كلّ صورة ذهنيّة مأخوذة من معلوم على ما يعتوره الناس من هذا اللفظ ، فهو سبحانه لا يعدّ علما إلا ما يرتضيه ، قال سبحانه : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣) ، فتراه سبحانه يعدّ العلم ـ وهو علم ـ ضلالا ، والسمع صمما والبصر عمى ، وفهم القلب ركودا ، وإنّما يرتضى لمعنى العلم الهداية التي منه تعالى ، التي سمّاها في موارد أخر نورا ، قال : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (٤). ولهذا قال صلىاللهعليهوآله على ما روي عنه : «ليس العلم بكثرة التعلّم وإنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء» (٥).
وقد مرّ فيما مرّ جمل من القول في هذه المعاني.
وبالجملة ، فما نتلقّاه من الإخلاص في الدين في بادئ النظر ما يقابل فعال الوثنيّين وعبدة الأصنام ، ثم كلّما أمعنّا ورمنا حقيقة الكلمة وجدنا الإخلاص والتوحيد أدقّ ، حتى إذا جرّدنا اللفظ عن كل تجوّز ومسامحة وأخذنا حقيقته حقا ، وجدنا أنّ أدنى الركون والإلتفات إلى غيره سبحانه شرك يجب تنزّه الموحّد عنه ، فلا ينفكّ عنه ولا يلتفت إلى غيره إلّا به ، فيعود عامّة العبادة شركا ،
__________________
(١). يوسف (١٢) : ٧٦.
(٢). المجادلة (٥٨) : ١١.
(٣). الجاثية (٤٥) : ٢٣.
(٤). الانعام (٦) : ١٢٢.
(٥). منية المريد : ١٦٧ مع تفاوت ؛ مصباح الشريعة : ١٦ ؛ بحار الأنوار ٦٧ : ١٣٩.