الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ* إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (١).
فمن كان من أولياء الله ودخل في حظيرتهم وانسلك في زمرتهم لا يشتغل عنه بغيره ، ولا يلبس لباس الظلم فيستقرّ في صفّ الذين عنوا بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢) وتنطبق الآية على قوله : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٣) فهم المأمونون لا يخافون منه شرا ولا ظلما ولا هضما ، إذ لم يلبسوا إيمانهم بظلم ولا من غيره تعالى ، إذ ايمانهم بالله حق الإيمان ، ومعرفتهم بحقيقة الملك الربوبي يمنع عن ذلك ، وقد تقدم في سورة الفاتحة في قوله : (صِراطَ الَّذِينَ) (٤) أنّ صراط العبادة الذي لا ظلم ولا ضلال فيه هو صراط الله وهو الصراط المستقيم ، فصراط الولاية هو صراط الله وهو الصراط المستقيم.
ثم أقول : وهو صراط التوحيد ، صراط لا يعبد فيه إلّا الله كما يفيده أمثال قوله : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (٥) وقوله : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٦).
والناس في تلقّي المراد من هذا اللفظ ، ـ أعني إخلاص العبادة وإخلاص الدين ـ على مراتب مختلفة ودرجات متفاوتة ، تذهب في الجانبين إلى غايات
__________________
(١). الاعراف (٧) : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.
(٢). الأنعام (٦) : ٨٢.
(٣). يونس (١٠) : ٦٢ ـ ٦٣.
(٤). الفاتحة (١) : ٧.
(٥). الزمر (٣٩) : ١٤.
(٦). غافر (٤٠) : ١٤.