إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).
فهذا القول يكشف عن إتيان أمر الله الموعود في تلك الآية ، وسياق الوعد المذكور هناك يأبى أن يكون هو بعضا من الأحكام الدينيّة ، إذ أركانها قد كانت نزلت قبل المائدة ، كالصلاة والصوم والحج والجهاد والزكاة والخمس وغيرها ، ولم يكن التغيير إلّا بنسخ غير مترتّب ، فلا معنى لإرتباط طمع الكفّار ويأسهم بها ، ويأتي سياق قوله : (الْيَوْمَ يَئِسَ) الى آخره ، أن يكون ذلك بإنتهاء الفرائض والأحكام وختمها ، وإلّا لكان النظم يوجب أن يقال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فلييأس الذين كفروا عن دينكم ، أو فيئس الذين كفروا ، ويأبى أن يكون هو المكشوف عنه بقوله في أهل الكتاب : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٢) ، إذ الهدفان في الآيتين مختلفان فإحداهما تنبئ عن ضلال سعيهم وعدم تأثير أذاهم ، والأخرى تخبر عن تمكّن اليأس فيهم ، وليس قوله : (الْيَوْمَ يَئِسَ) ، الى آخره ، واقعة في سياق الآيات التالية كقوله : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) (٣) ، لاختلافهما بالإعتراض والإستئناف.
هذا كلّه مضافا إلى أنّ طمع الكفّار إنّما كان متعلّقا بالدين نفسه من غير هوى منهم في المؤمنين إلّا لتلبّسهم بشعاره ، فقد كانوا يريدون إطفاء هذا النور واخماد ناره ، كما يدلّ عليه قوله : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ
__________________
(١). البقرة (٢) : ١٠٩.
(٢). آل عمران (٣) : ١١١.
(٣). المائدة (٥) : ٥.