وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ* هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (١) وقوله : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٢). ولذلك كان همّهم في قطع شجرة الدين من أصله ، وهدم بنيانه من أساسه بردّ المسلمين المؤمنين على أعقابهم ، وإلقاء النفاق في جماعتهم ، وأقرب من ذلك بتخليل السكون في حركة الرسول وتسرية الفتور في الهمّة النبويّة بالتطميع بما يريده من مال أو جاه كما في شأن نزول أوّل سورة ص وغيره ، أو بمخالطة أو مداهنة كما قال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٣) وقال : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٤) ، وكما ورد في شأن نزول سورة الجحد.
ولو كان انقطع طمعهم من كلّ سبب فلم يكن ينقطع ممّا كانوا يظنّونه أنّ الدعوة الاسلاميّة إنّما هي سلطنة وملك في زيّ النبوّة ولباس الرسالة ، وما ينشره النبيّ بدعوته المقدّسة قائم بنفسه لا عماد له غيره ، فلو قتل أو مات انقطع أثره وانمحى ذكره على الرسل من حال السلاطين والملوك ، كما ورد في شأن نزول سورة الكوثر وغيرها وكما مرّ في قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (٥).
هذا والمتثبّت في ما مرّ من البيان بأطرافه يفيد الجزم بأنّهم ما كانوا لييأسوا
__________________
(١). الصف (٦١) : ٨ ـ ٩.
(٢). غافر (٤٠) : ١٤.
(٣). القلم (٦٨) : ٩.
(٤). الإسراء (١٧) : ٧٤.
(٥). آل عمران (٣) : ١٤٤.