لما كان يحكم حكما واقعيّا بالوحي ، فقوله تعالى : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) ، جعل حجّيّة لما حكم به بنحو الموضوعيّة دون الطريقيّة على ما اصطلح عليه في الاصول ، فما حكم به هو حكم الله الواقعيّ في القضيّة ، وهذا هو المراد بالتفويض إلى النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ الواقع في الأخبار.
ففي الكافي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ : «والله ما فوّض الله إلى أحد من الناس من خلقه إلّا إلى رسول الله وإلى الأئمّة ، قال الله عزوجل : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) وهي جارية في الأوصياء» (١).
وفي الاحتجاج عنه ـ عليهالسلام ـ أنّه قال لأبي حنيفة : «وتزعم أنّك صاحب رأي ، وكان الرأي من رسول الله صوابا ومن دونه خطأ ؛ لأنّ الله قال : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) ولم يقل ذلك لغيره» (٢).
أقول : يعني ـ عليهالسلام ـ بالتفويض ما ذكرناه من جعل الحجّيّة في القضاء والحكم ، وهو ثابت في النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ بالآية ، وفي الأوصياء من أهل بيته ـ عليهمالسلام ـ بجعله ـ صلىاللهعليهوآله ـ كما يدلّ عليه حديث الثقلين وغيره. وفي مورد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ خاصّة قسم آخر من التفويض لا يشاركه غيره ، وهو تشريع الحكم يدلّ عليه الآيات نحو قوله : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٣) ، وغيرها.
قوله سبحانه : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ)
في تفسيري العيّاشي والقمّي والكافي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ : يعني
__________________
(١). الكافي ١ : ٣٦٧ ، الحديث : ٨.
(٢). الاحتجاج ٢ : ٣٦٠.
(٣). الحشر (٥٩) : ٧.