وانما يكون
الاعجاز دليلا على صدق المدعي ، لأن المعجز فيه خرق للنواميس الطبيعية ، فلا يمكن
أن يقع من أحد الا بعناية من الله تعالى ، واقدار منه ، فلو كان مدعي النبوة كاذبا
في دعواه ، كان اقداره على المعجز من قبل الله تعالى اغراء بالجهل واشادة بالباطل
، وذلك محال على الحكيم تعالى. فاذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالة على صدقة ،
وكاشفة عن رضا الحق سبحانه بنبوته.
ولكن دلالة المعجز
على صدق مدعي النبوة متوقفة على القول بأن العقل يحكم بالحسن والقبح. أما الأشاعرة
الذين ينكرون هذا القول ، ويمنعون حكم العقل بذلك فلا بد لهم من سد باب التصديق
بالنبوة. وهذا أحد مفاسد هذا القول ، وانما لزم من قولهم هذا سد باب التصديق
بالنبوة ، لأن المعجز انما يكون دليلا على صدق النبوة اذا قبح في العقل أن يظهر
المعجز على يد الكاذب ، واذا لم يحكم العقل بذلك لم يستطع احد أن يميز بين الصادق
والكاذب.
٣ ـ خير المعجزات ما شابه أرقى فنون العصر
المعجز ـ ما عرفت ـ
هو ما يخرق نواميس الطبيعة ، ويعجز عنه سائر أفراد البشر اذا اتى به المدعى شاهدا
على سفارة الهية. ومما لا يرتاب فيه أن معرفة ذلك تختص بعلماء الصنعة التي يشابهها
ذلك المعجز ، فان علماء أي صنعة أعرف بخصوصياتها ، واكثر احاطة بمزاياها ، فهم
يميزون بين ما يعجز البشر عن الاتيان بمثله وبين ما يمكنهم. ولذلك فالعلماء اسرع
تصديقا بالمعجز.
أما الجاهل فباب
الشك عنده مفتوح على مصراعيه ما دام جاهلا بمباديء الصنعة ، ومادام يحتمل أن
المدعي قد اعتمد على مباديء معلومة عند الخاصة من أهل تلك الصنعة ، فيكون متباطئا
عن الاذعان. ولذلك