ولا يملك الانسان ان يستمد آدابه وأخلاقه من معين ، ويستمد شرائعه وقوانينه من معين آخر. ويستمد أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية من معين ثالث. ويستمد فنونه وتصوراته من معين رابع. فهذا الخليط لا يكون انسانا له قلب ولا يتسلط على قلب الا مزقه تمزقا وقطعه تقطيعا. واطفأ نوره نهائيا وأعماه أخيرا كما قال خالقه العظيم.
(فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ. وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
وصاحب العقيدة لا يمكنه أن تكون له عقيدة حقا. ثم يتجرد من مقتضياتها وقيمها الخاصة في موقف واحد. من مواقف حياتية كلها. صغيرا كان هذا الموقف أم كبيرا. لا يمكنه أن يقول كلمة. أو يتحرك حركة. أو ينوي نية. أو يتصور تصورا. غير محكوم في هذا كله بعقيدته ـ عند الاختيار والحرية له ـ ان كانت هذه العقيدة واقعة في كيانه ـ لان الله تعالى لم يجعل له سوى قلب واحد. يخضع لناموس واحد. ويستمد من تصور واحد. ويزن بميزان واحد.
لا يملك صاحب العقيدة أن يقول رجال الشركات أو رجال السياسة. أو رجال الجمعيات الاجتماعية او العلمية وما اليها في هذه الايام انه شخص واحد له قلب واحد تعمره عقيدة واحدة. وله تصور واحد للحياة. وميزان واحد للقيم. وتصوره المستمد من عقيدته. متلبس بكل ما يصدر عنه في كل حالة. لا يمكنه أن يقول : فعلت كذا بصفتي الشخصية. وفعلت كذا بصفتي الاسلامية.
وبهذا القلب الواحد يعيش الانسان فردا. ويعيش في الاسرة ، ويعيش في الجماعة. ويعيش في الدولة. ويعيش في العالم. ويعيش في سره وعلانيته. وحاكما ومحكوما. فلا تتبدل موازينه. ولا تتبدل