والقلب ـ ليبدأ حديثا كأنه جديد عن عجبهم واستنكارهم لما جاءهم به رسولهم في القرآن المجيد من أمر البعث والخروج.
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) وما في هذا من عجب. بل هو الامر الطبيعي الذي تتقبله الفطرة السليمة ببساطة وترحيب. الامر الطبيعي ان يختار الله تعالى من الناس واحد منهم يحس بأحساسهم. ويشعر بشعورهم ويتكلم بلغتهم ويدرك دوافعهم. فيرسله اليهم لينذرهم ما ينتظرهم ان هم ظلموا فيما هم فيه. ويعلمهم كيف يتجهون. ويبلغهم التكاليف التي يفرضها الاتجاه الجديد وهو معهم اول من يحمل هذه التكاليف.
ولقد عجبوا من الرسالة ذاتها. وعجبوا من الذي حدثهم عنها. ولكن اولئك القوم لم ينظروا للمسألة من جانبها الواقعي. وما تحمله من سعادة وامن وراحة وارباح لهذه الامة (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ..) اذن فالناس يموتون ثم لا يرجعون فيا لها من قولة ما ابشعها وما اسخفها فلو كان الامر كما يقولون لافتخر الاشرار على الاخيار. وربح المفسدون وخسر المصلحون. وسعد البطالون وتعس العاملون. واي قيمة يبقى لهذه الحياة على هذا القول.
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) كأنما التعبير يجسم حركة الارض ويجيبها وهي تذيب اجسامهم ـ التي كانوا يحافظون عليها ـ وتأكلها رويدا رويدا. ويصور اجسادهم في هذه المرحلة. فان الله يعلم ما تأكله الارض من اجسادهم وهو مسجل في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. اذن فالمسألة ليست كما يقولون.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) وانه لتعبير فريد مصور مشخص لحال من يفارق الحق الثابت الواضح. فلا يقر لهم من بعده قرار. ان لم يزل لديهم احساس.