ان يعي هذه القوى الكونية كما يدرك قوة نفسه. وحينئذ يتجاوب معها كما يتجاوب مع بني جنسه ونوعه.
ففي كل شيء روح وحياة. ولكن لا يدركها الا المتقون الذين اخلصوا لربهم فاستخلصهم لطاعته. ومطموسوا القلوب. يستحيل ان يدركوا شيئا من ذلك حتى يرجعوا الى الله. والكون من حولنا حافل بالاسرار المحجوبة عن المعاندين. ويدركها ارباب البصائر المفتوحة المطهرة النقية من كل شكل واجرام يسببان حجب هذه الرؤية الصادقة. وقد ادت الريح ما أمرت به. فدمرت كل شيء (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) اما هم وانعامهم ومتاعهم واموالهم ورياشهم فلم يعد شيء منها يرى فقد تدمرت واضحت مساكنهم خاوية موحشة. لا ديار فيها ولا نافخ نار (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠))
البيان : هؤلاء الذين دمرتهم الريح. قد مكناهم فيما لم نمكنكم ـ انتم يا عرب ومن يتبعهم ـ فيه من القوة والمال والفهم والذكاء والبيان والمتاع. وآتيناهم اسماعا وابصارا وافئدة. ولكن هذه الحواس والمدارك لم تنفعهم ـ كما لم تنفع اهل عصرنا ـ وقد عطلوها باجمعها (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) والجحود بآيات الله طمس للقلوب والبصائر