(ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) هكذا يواجههم القرآن بشهادة هذا الكون. وهي شهادة حاسمة جازمة. ويأخذ عليهم طريق الادعاء بلا بينة. ويعلمهم منهج البحث الصحيح في آية واحدة قليلة الكلمات واسعة المدى. قوية الايقاع. حماسة الدليل.
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) وقد كان بعضهم يتخذ الاصنام الهة. أما لذاتها واما باعتبارها تماثيل لاشخاص. وكلها لا تستجيب من يدعوها. ثم اذا كان الموت وكشف لهم فساد ما فعلوا وضللوا بخدع الشيطان لهم تبرأ بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا (قال (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ .. فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ..)
وهكذا يقفهم القرآن وجها لوجه على حقيقة ما سيؤل اليه أمرهم مع من أضلهم واتبعوه بغير دليل ولا هدى. ويذكرهم بدلالة الكون على بطلان ما هم عليه.
واذا كان القرآن يندد بضلال من يدعون من دون الله الهة. لا يستجيبون لهم الى يوم القيامة. وكان هذا يعني المعبودات التاريخية التي عرفتها الجماعات البشرية عند نزول هذا القرآن المجيد. فان النص أوسع مدلولا وأطول أمدا من ذلك الواقع التاريخي. فمن أضل ممن يدعي من دون الله أحدا في أي زمان وفي أي مكان. وكل أحد ـ كائنا من كان ـ لا يستجيب بشيء لمن يدعوه. ولا يملك ان يستجيب. وليس هناك الا الله فعال لما يريد. والاشراك بالله تعالى له صور عديدة. فكم من مشرك يشرك مع الله ذوي سلطان وجاه ومال. ويرجو فيهم ويتوجه اليهم بالدعاء. وكلهم أعجز من أن يستجيبوا لدعاتهم استجابة حقيقية. وكلهم لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا. ودعاؤهم شرك. ورجاؤهم شرك. والخوف منهم شرك. ولكنه شرك