والجماهير المستعبدة المستغفلة يغريها البريق الخادع القريب من عيونها ولا تسمو قلوبها ولا عقولها الى تدبر ذلك الملك الكوني العريض البعيد. ومن ثم عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالخدع (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) وهو يعني ان موسى (ع) ليس ملكا ولا أميرا وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد ان يكون فرعون قد خدعهم بان معه الحق. (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) بهذا العرض التافه يخدع اهل الاطماع ويصرف عن آيات الله الباهرة ولكن أنى لهم العزيمة والاقدام على التضحية بالزهيد للحصول على الغالي الثمين الذي لا يزول ولا يفنى ولا يحدد بحدود.
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) واستخفاف الطغاة للعوام امر لا غرابة فيه. فهم يعزلون الجماهير اولا عن كل سبل المعرفة. ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها ولا يعودوا يبعثون عنها. وحينئذ يلقون في روعهم ما يشاؤن من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة. ومن ثم يسهل استخفافهم بعد. ذلك وتلين قيادتهم لأهل الضلال ودعاته فيذهبون بهم يمينا وشمالا كما شاؤن. ولا يملك الطاغية ان يفعل بالجماهير هذه الفعلة الا حين يفسقون ويجرمون. فاما المؤمنون الذين دائما يتدبرون القول فيتبعون احسنه. فلا ينطلى عليهم خدع اهل الضلال والباطل ومن هنا يعلن القرآن المجيد. استجابة العوام لفرعون كما اراد.
(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠))
البيان : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) يتحدث الخالق العظيم عن