ان هذا المشهد كما انه لا يتجه اليه الفكر البشري والاهتمام البشري ، كذلك لا تلحظه العيون ان هذا المشهد انما ينكشف بجملته لعلم الله وحده ، المنكشف لكل شيء والمحيط بكل شيء ، الحافظ لكل شيء ، الذي تتعلق مشيئته وارادته بكل شيء ، وهو اللطيف الخبير.
(وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) : آماد وآفاق وأغوار في (المنظور) على استواه وسعته (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها ، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها ...)
يقف الانسان العاقل أمام هذه الصفحة المعروضة ، في كلمات قليلة ، فاذا هو امام حشد هائل عجيب من الاشياء والحركات والاحجام والاشكال والصور والمعاني لا يصمد لها الخيال. ولو ان اهل الارض جميعا وقفوا حياتهم كلها يتتبعون ويحصون ما يقع في لحظة واحدة مما تشير اليه الآية لأعجزهم تتبعه واحصاؤه عن يقين.
فكم من شيء في اللحظة الواحدة يخرج من الارض ويلج فيها. كم من دودة ومن حشرة تلج في الارض وكم وكم مما يلج في الارض ويخرج منها. وعين الله عزوجل عليه ساهرة لا تنام. وكم مما ينزله من السماء ، كم من نقطة مطر ، وكم شهاب وشعاع ورياح ، وجاذبية ، وكم ممن يعرج فيها ، وكم من روح من أرواح الخلائق التي نعلمها أو نجهلها متوفاة فما لا يعلمه الا الله العليم الخبير. وأين يذهب علم البشر المحدود من جميع جهاته مهما سمى وعلا وتعاظم انه محدود ومقدر بقدر لا يتعداه فكل قلب وما فيه من نوايا وخواطر وما له من حركات وسكنات كلها تحت عين الله عزوجل وعنايته. وهو مع هذا يستر ويغفر (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وان آية واحدة من القرآن كهذه الاية لمما يوحي بان هذا القرآن