لاتباعهم انهم سيشفعون لهم عند الله غدا. ولكن القرآن يسميهم (شُرَكاءَهُمْ) تهكما واستهزاء (قفوا مكانكم). ولا بد ان يكونوا قد تسمروا في أماكنهم فالامر نافذ لا يمكنهم التحرك عند امرهم بالوقوف (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) وعندئذ لا يتكلم الذين كفروا ولكن الشركاء يتكلمون ، ليبرؤ أنفسهم من الجريمة. جريمة العبودية لهم مع الله عزوجل :
(وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ)
يالها من وقفة خجل وافتضاح من التابع والمتبوع : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) وهكذا يتجلى المشهد المحسوس ، في ساحة المحشر بكل حقائقه وبكل وقائعه. فتبلغ من النفس ما لا يبلغه الاخبار المجردة ، ولا براهين الجدل الطويل.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣))
البيان : ولقد مر ان مشركي العرب لم يكونوا ينكرون وجود الله. ولا انه الخالق والرازق والمدبر. انما كانوا يتخذون الشركاء للزلفى او يعتقدون ان لهم قدرة الى جانب قدرة الله تعالى. فهو هنا يأخذهم بما يعتقدونه في أنفسهم ليصحح لهم ـ عن طريق ايقاظ وعيهم وتدبرهم ومنطقهم الفطري ـ ذلك الخلط والضلال (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) (اي من يهبها القدرة على اداء وظائفها. فيبصرها ويسمعها وما زال البشر يكشفون من طبيعة السمع والبصر. ومن دقائق صنع الله في هذين الجهازين ما يزيد السؤال شمولا وسعة. ان تركيب العين واعصابها وكيفية ادراكها للمرئيات او تركيب الاذن واجزائها وطريقة ادراكها للذبذبة. أنه لعالم يدير الرؤوس ويحير الالباب (ومن يخرج الحي من الميت. ويخرج الميت من الحي).