(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) ـ بذلك (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ) (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ولو وقف الانسان لحظة واحدة يرقب (ما خَلَقَ اللهُ) ويستعرض هذا الحشد الذي لا يحصى من الانواع والاجناس ، والهيئات والاحوال والاوضاع والاشكال ولو وقف لحظة واحدة لامتلأ قلبه وطاب وفاض بما يغنيه في حياته كلها ، يشغله بالتدبر والتفكر والتأثر ما عاش. وكل ذلك (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) تستشعر قلوبهم هذا الوجدان الخاص وجدان التقوى الذي يدع هذه القلوب مستجاشة حساسة سريعة التأثر والاستجابة لمجال القدرة ومظاهر الابداع ومعجزات الخلق المعروضة للانظار والاسماع (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ)
وما تزال دلالة وجود الكون ذاته. ثم حركته المنتظمة المنسقة المضبوطة ، تحاصر الهاربين من الله هنا وهناك. والفطرة البشرية بجملتها ـ قلبا وعقلا وحسا ووجدانا ـ تواجه هذه الدلالة ، وتستجيب لها. وما يزال المنهج القرآني هذا يخاطب الفطرة بجملتها يخاطبها ، من أقصر طريق ، ومن أوسع طريق وأعمق طريق.
والذين يرون كل هذا ، ثم لا يتوقعون لقاء الله ، ولا يدركون أن من مقتضيات هذا المقام المحكم ان تكون هناك آخرة ، وان الله لم يجعل الدنيا هي النهاية ، لان البشرية لم تبلغ فيها كمالها المنشود ، والذين يمرون بهذه الآيات كلها غافلين ، لا تحرك فيهم قلبا يتدبر ، ولا عقلا يتفكر. هؤلاء لن يسلكوا طريق الكمال الانساني ، ولن يصلوا الى الجنة التي وعد المتقون بها.
انما الجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، حيث يفرغون من نصب الدنيا وصغارها الى تسبيح الله وحمده في نعيم مقيم ، لذلك يقول عزوجل :