وكيف يمنحهم الله الفرصة ويسوق اليهم التنبيه ، فاذا نسوا ما ذكروا ولم توجههم النعمة الى اداء الشكر والحذر من النقمة حيث تكون فطرتهم قد فسدت فحقت عليهم كلمة الله ، ونزل بساحتهم الدمار الذي لا ينجو منه ديار.
(وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) ، والقلب الذي لا ترده الشدة الى الله عزوجل. فلم تعد به نداوة تعصرها الشدة ، وقد مات فلم تعد الشدة تثير فيه الاحساس بالخطر الهائا فلم يعد يستشعر هذه الوخزة الموقظة التي تنبه القلوب الحية لتلقي الاستجابة عند الشدة ، فمن كان حيا ايقظته وفتحت مغاليق قلبه وردته الى ربه الحق وشملته الرحمة الواسعة.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً).
ان الرخاء ابتلاء آخر كابتلاء الشدة ، وهو مرتبة أشد وأقوى على غفلة المجرمين من الابتلاء بالمصائب ، والتعبير القرآني : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) يصور الارزاق والنعم التي تزيدهم عقوقا واجراما ، لان اجرام المعرضين عن الله يزداد بمقدار قدرتهم عليه فكل ما زاد رزقهم ازداد اجرامهم.
(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، لقد أخذ الله قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط ، كما أخذ الفراعنة وغيرهم لما ظلموا وأجرموا.
ولقد كان لهذه الامم حضارات ورخاء مخدوعة بما هي فيه خادعة لغيرها فمن لا يعرفون قول فرعون :