لذلك لم يجبرهم الله على الهدى بأمر تكويني من عنده ـ يعني يجبرهم جبرا ـ ولكنه أمرهم بالهدى وهيأ لهم أسباب الهدى وترك لهم اختيار الطاعة وثوابها. أو المعصية وعقابها ، في نهاية المطاف ، فاعلم ذلك ولا تكن ممن يجهلون فهم الحقائق فيوقعهم الشيطان في حبائل التضليل
(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ، وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) فهناك فريق من البشر يعيشون بابدانهم وشهواتهم لا غير ، وقد عطلوا فطرتهم الانسانية التي فطرهم الله عليها وقد تموت من شدة الاجرام تلك الفطرة حتى يستحيل معها تقبل الهداية (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ).
هذه هي قصة الاستجابة وعدم الاستجابة من بعض الفئات من عدم ارادتهم لاتباع الهدى.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩))
البيان : ان الناس ليسوا وحدهم في هذا الكون ، حتى يكون وجودهم صدفة ، وحتى تكون حياتهم سدى ، ان حولهم أحياء أخرى كلها ذات أمر منتظم يوحي بالقصد والتصميم والتدبير ، والحكمة البالغة انه ما من دابة تدب على الارض وتطير في الهواء وتغوص في الماء ، وتعيش في باطن الارض (الا امم امثالكم ، شأنها شأن الانسان في هذه الحياة ، ويحشر الجميع الى خالقهم :
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا) ـ من أفراد هذا البشر فقط ـ (بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ).
ووراء ذلك كله مشيئة الله عزوجل ، التي قضت أن يكون هذا القسم من الانسان قد منح هذا الاستعداد من ترك الاختيار له في