قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١))
البيان : وكذلك .. نجدنا امام حادث غير عادي ، يحمل مظهرا من مظاهر طلاقة المشيئة الالهية ، وعدم التقيد بمألوف البشر الذي يحسبه البشر قانونا لا سبيل الى اخلافه. ومن ثم يشكون في كل حادث لا يجيء في حدود المألوف ، فان لم يستطيعوا تكذيبه صاغوا حوله الخرافات والاساطير ، وأبوا ان يرجعوه لارادة القدرة الالهية.
فهذا (زكريا) الشيخ الكبير وزوجه العاقر التي لم تلد في صباها ها هو ذا تجيش في قلبه الرغبة الفطرية العميقة في الخلف ـ وهو يرى بين يديه مريم المرزوقة في محرابها ـ فيتوجه الى ربه يناجيه ، ويطلب منه أن يهب له من لدنه ذرية طيبة.
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) لقد استجيبت الدعوة المنطلقة من قلب طاهر الذي علق رجاءه بمن يسمع الدعاء ويملك الاجابة متى أراد (فيقول للشيء كن فيكون).
لقد استجيبت الدعوة وان كانت خلاف المألوف ، فما يملك الانسان وهو محدود من جميع جهاته ، وما يملك العقل وهو مخلوق بحدوده ، فما أجدر بالانسان ان يتأدب أمام خالقه وما اجدر به أن يلتزم بحدوده التي حددت له ، ولا يمكنه أن يتعداها أنملة. فلا يخبط بالتيه ، وهو يتحدث عن الممكن والمستحيل بلا برهان ولا دليل ، ولقد كانت الاجابة مفاجأة لزكريا (ع) : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ).
فجاء الجواب الحاسم : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) فكل صعب وغريب يهون عند الارادة الالهية. فاذا زكريا يجد في ذات نفسه غير