بزمان ولا بجيل. والقرآن يعرضها ثم يقرر قيمتها الحقيقية. لتبقى في مكانها هذا لا تتعداه. ولا تطغى على سواه. (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا)
ذلك كله الذي عرضه من اللذائذ ـ اما التافة ـ واما الزائلة ـ او الدنية الخسيسة ـ اما ارباب النفوس الطيبة فانها ترفع رأسها الى ما هو أسمى وأغلى وأعلا. يرفع النفس ويصونها من الاستغراق في الشهوات. والانكباب على مختصات الارض دون التطلع الى ما في السماء من فضيلة وكمال انساني. يضيء القلوب وينير البصائر. ويزاحم به الملائكة المقربين. فمن اراد الذي هو خير فعند الله ملذات ورضوان خير مما يجمعون ويرغبون فيه.
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ ...) وهذا المتاع الاخروي الذي يذكره هنا ويؤمر الرسول ص وآله : ان يبشر المتقين.
هذا النعيم حسي في عمومه. ولكن هنالك فارقا اساسيا بينه وبين متاع الدنيا. انه متاع لا يناله الا الذين اتقوا. الذين كان حب الله ـ وتقديم رضاه على كل ما سواه. في قلوبهم وشعور التقوى شعور مهذب للروح والحس. ضابط للنفس ان لا تستغرق في الشهوات. وان لا تنساق فيها غرائز البهيمة. فالذين اتقوا ربهم ـ اي راقبوا رضاه ـ حين يتطلعون الى هذا المتاع الحسي الذي يبشرون به يتطلعون اليه في شفافية مبرأة من غلط الحس. وهذا المتاع النظيف العفيف عوض كامل عن كل ما في الدنيا من شهوات وملذات تافة. فاذا كان متاعهم في الدنيا حرثا ففي الآخرة جنات ونعيم خالد. واذا كان في متاع الدنيا نساء ففي الآخرة ازواج مطهرات. ويضاف على كل ما في الدنيا في الآخرة رضوان من الله افضل واعلا.