وإن اعتبر من باب التعبّد لأجل الأخبار فلا يجوز العمل به ، للقطع بانتفاء حكم العقل مع الشك في الموضوع الذي كان يحكم عليه مع القطع.
______________________________________________________
الأمر الأوّل : ان يكون الاستصحاب حجة من باب الظن ، كما يقول به جمع من الاصوليين ، لا من باب التعبد ، على ما سيأتي بقوله : وان اعتبر من باب التعبد ، وإلّا فانه إذا كان الاستصحاب حجة من باب التعبد كان أصلا مثبتا ، وقد عرفت : ان الأصل المثبت ليس بحجة.
الأمر الثاني : ان يكون موضوع حكم العقل أعم من مقطوع الضرر ومظنونه ، فانه لو كان للقطع مدخلية في موضوع حكم العقل بوجوب الاجتناب ، ارتفع الحكم بارتفاع القطع ، حيث ان الحكم لا يبقى بعد ارتفاع موضوعه.
لكن لا يخفى : ان موضوع حكم العقل هو : أعم من القطع والظن ، ومن الاحتمال الموهوم فيما لو كان الضرر كثيرا ، وذلك على ما تقدّم في بعض مباحث الكتاب ، فإذا كان ـ مثلا ـ في كل من عشر سيارات ، تنزلق سيارة واحدة فتسقط في الهوة ممّا يوجب هلاك ركابها ، فان الاحتمال يكون موهوما بالنسبة إلى كل سيارة سيارة ، لكن العقل يقول بلزوم الاجتناب.
هذا (وإن اعتبر) الاستصحاب (من باب التعبّد لأجل الأخبار) الدالة على الاستصحاب لا من باب الظن (فلا يجوز العمل به) أي : بهذا الاستصحاب (للقطع بانتفاء حكم العقل مع الشك في الموضوع) الضرري (الذي كان يحكم عليه مع القطع) به ، يعني : ان الاستصحاب يوجب الظن بالضرر لا القطع به ، والعقل يقول بلزوم الاجتناب عن الضرر المقطوع به ، فالاستصحاب لا يفيد ذلك الموضوع حتى يجب الاجتناب عنه.