الآية كلها ، ونسخها الله تعالى ، فأنزل الله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦] إلى آخرها (١).
وعن آدم بن سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قولوا : سمعنا وأطعنا وسلمنا». فألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) حتى بلغ (أَوْ أَخْطَأْنا) فقال : «قد فعلت ـ إلى آخر البقرة ـ كل ذلك يقول : قد فعلت» (٢).
قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجثوا على الركب ، وقالوا : يا رسول الله ، والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية ، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا وما فيها ، وإنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ، هلكنا والله؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «هكذا أنزلت». فقالوا : هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق. قال : «فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى : سمعنا وعصينا؟ قولوا : سمعنا وأطعنا». فقالوا : سمعنا وأطعنا ، واشتد ذلك عليهم ، فمكثوا بذلك حولا ، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقول : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) الآية. فنسخت هذه الآية ما قبلها ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ، ما لم يعملوا أو يتكلموا به» (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٣٨ ، ورواه مسلم في صحيحه : الإيمان ، باب : بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق ، رقم : ١٢٥ ، والنيسابوري ٧٨ ، والسيوطي ، ٤٧ ـ ٤٨.
(٢) رواه مسلم في صحيحه : رقم : ١٢٦ ، والنيسابوري ٧٩ ، وتفسير القرطبي ، ج ٣ / ٤٢٧.
(٣) زاد المسير لابن الجوزي ، ج ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، وتفسير القرطبي ، ج ٣ / ٤٢٧ ـ ٤٣٣ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.