وقال حسن وعطاء الخراساني والضحاك وابن جريج : كانت جيفة حمار بساحل البحر ، قال عطاء : بحيرة طبرية ، قالوا : فرآها قد توزعتها دواب البر والبحر ، فكان إذا مد البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها ، فما وقع منها يقع في الماء. وإذا جزر البحر (١) جاءت السباع فأكلت منها ، فما وقع منها يصير ترابا. فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها ، فما سقط قطعته الريح في الهواء ، فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها وقال : يا رب ، قد علمت لتجمعنها ، فأرني كيف تحييها؟ لأعاين ذلك (٢).
وقال محمد بن إسحاق بن يسار : إن إبراهيم لما احتج على نمروذ فقال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وقال نمروذ : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٨] ثم قتل رجلا وأطلق رجلا ، قال : قد أمت ذلك وأحييت هذا. قال له إبراهيم : فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت. فقال له نمروذ : هل عاينت هذا الذي تقوله؟ ولم يقدر أن يقول نعم رأيته ، فتنقل إلى حجة أخرى (٣) ، ثم سأل ربه أن يريه إحياء الميت لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج ، فإنه يكون مخبرا عن مشاهدة وعيان (٤).
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي : لما اتخذ إبراهيم خليلا استأذن ملك الموت ربّه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك ، فأتاه فقال : جئتك أبشرك بأن الله تعالى اتخذك خليلا ، فحمد الله عزوجل وقال : ما علامة ذلك؟ قال : أن يجيب الله دعاءك وتحيي الموتى بسؤالك. ثم انطلق وذهب ، فقال إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك أنك اتخذتني خليلا (٥).
الآية : ٢٦٢ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ).
قال الكلبي : نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. أما عبد الرحمن
__________________
(١) جزر البحر : عكس مدّه. وهو رجوع الماء إلى الأعماق.
(٢) النيسابوري ، ٧١ ـ ٧٢ ، وتفسير الطبري ، ج ٣ / ٣٣.
(٣) وهي قوله : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥٨].
(٤) تفسير الطبري ، ج ٣ / ٣٣.
(٥) أسباب النزول للنيسابوري ٧٣.