الآية : ١٢٥ ـ قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ).
عن الحكم بن عيينة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرأى منظرا ساءه ، ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه وجدعت أذناه ، فقال : «لو لا أن يحزن النساء ، أو يكون سنة بعدي ، لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير. لأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم». ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه ، فخرجت رجلاه ، فجعل على رجليه شيئا من الإذخر ، ثم قدمه وكبر عليه عشرا ، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه ، حتى صلى عليه سبعين صلاة ، وكان القتلى سبعين ، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) إلى قوله : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [سورة النحل ، الآية : ١٢٧] فصبر ولم يمثل بأحد (١).
عن يعقوب الوليد الكندي قال : حدثنا صالح المري قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة قال : أشرف النبي صلىاللهعليهوسلم على حمزة فرآه صريعا ، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه ، وقال : «والله لأقتلن بك سبعين منهم». فنزلت : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦) [سورة النحل ، الآية : ١٢٦] (٢).
قال المفسرون : إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد : من تبقير البطون ، وقطع المذاكير ، والمثلة السيئة ، قالوا حين رأوا ذلك : لئن ظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ، ولنفعلن ولنفعلن. ووقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على عمه حمزة ، وقد جدعوا أنفه وقطعوا مذاكيره (٣) وبقروا بطنه ، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ، ثم استرطتها لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها ، فبلغ ذلك نبي الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبدا ، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئا من جسده النار». فلما نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى
__________________
(١) النيسابوري ٢٣٩ ، وسنن الدار قطني ، ج ٤ / ١١٨ ، وضعّفه.
(٢) المستدرك للحاكم ، ج ٣ / ١٩٧ ، ومجمع الزوائد ، ج ٦ / ١١٩.
(٣) أي عضوه التناسلي.