الآية : ١٠٦ ـ قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ).
قال ابن عباس : نزلت في عمار بن ياسر ، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرا وأمه سمية ، وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما ، فأما سمية : فإنها ربطت بين بعيرين وو جيء قبلها بحربة ، وقيل لها : إنك أسلمت من أجل الرجال ، فقتلت وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين في الإسلام. وأما عمار : فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها ، فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن عمارا كفر ، فقال : «كلا ، إن عمارا ملىء إيمانا من قرنه إلى قدمه (١) ، وأخلط الإيمان بلحمه ودمه». فأتى عمار رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يبكي ، فجعل رسول الله عليهالسلام يمسح عينيه وقال : «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت». فأنزل الله تعالى هذه الآية (٢).
وقال مجاهد : نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم المسلمون بالمدينة : أن هاجروا ، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا (٣). فخرجوا يريدون المدينة ، فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين ، وفيهم نزلت هذه الآية.
الآية : ١١٠ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا).
قال قتادة : ذكر لنا أنه لما أنزل الله تعالى قبل هذه الآية : أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة ، فلما جاءهم ذلك خرجوا ، فلحقهم المشركون فردوهم ، فنزلت : (الم) (١) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [سورة العنكبوت ، الآيتان : ١ ـ ٢] فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم على أن يخرجوا ، فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا ويلحقوا بالله ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ومنهم من نجا ، فأنزل الله عزوجل : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) (٤).
__________________
(١) وجئ : طعن. قبلها : فرجها. قرنه : رأسه.
(٢) تفسير الطبري ، ج ١٤ / ١٢٢ ، وانظر المستدرك للحاكم ، ج ٢ / ٣٥٧.
(٣) النيسابوري ٢٣٧ ، والسيوطي ، ١٦٤ ـ ١٦٥.
(٤) النيسابوري ٢٣٨ ، وزاد المسير ، ج ٤ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨.