والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مضر ، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك ، ويترهبوا ، ويجبوا المذاكير. فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجمعهم فقال : «ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا». فقالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير. فقال : «إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، ومن رغب عن سنتي فليس مني». ثم خرج إلى الناس وخطبهم فقال : «ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا ، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ولا رهبانا ، فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتها الجهاد ، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجوا واعتمروا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان ، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع». فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا ، فأنزل الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) [سورة المائدة ، الآية : ٨٩] (١).
الآية : ٩٠ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ).
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أتيت على نفر من المهاجرين ، فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمرا ، وذلك قبل أن يحرّم الخمر ، فأتيتهم في حش ، والحش البستان ، وإذا رأس جزور مشويا عندهم ، ودن من خمر ، فأكلت وشربت معهم ، وذكرت الأنصار والمهاجرين ، فقلت : المهاجرون خير من الأنصار ، فأخذ رجل لحي الرأس فجدع أنفي بذلك ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته ، فأنزل الله في شأن الخمر : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية (٢).
وعن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب قال : اللهم بين لنا في
__________________
(١) النيسابوري ، ١٧٥ ـ ١٧٦ ، والسيوطي ، ١١٠ ـ ١١١ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ٧.
(٢) رواه مسلم في صحيحه : فضائل الصحابة ، باب : فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، برقم ١٧٤٨ ـ ٤٣ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ / ٢٢ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢٨٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٩١ ـ ٩٣.