البديع المنظم وراءه قوة عليا مبدعة ، هي قوّته سبحانه الذي وعد الناس أن يجازيهم بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا ، ووعده واقع لا محالة.
(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧) الحبك بضمتين جمع حبيكة وهي الطريق ومدار الكواكب. والمراد الطرائق التي هي مسير الأجرام السماوية من نجوم وكواكب ، يقسم الله عزّ وعلا بالسماء المتّسقة المحكمة الترتيب ، بما فيها من نجوم وكواكب تسلك طريقها مسرعة في مجراتها العظيمة بنظام دقيق وإبداع شامل ، على أن المشركين يخوضون في حديث باطل وقول متناقض مضطرب ، فصنع الله محكم ، وعمل الكافرين باطل مضطرب ، فتراهم حينا يقولون عن النبي (ص) إنّه شاعر ، وتارة يقولون : ساحر ، ومرة ثالثة يقولون : مجنون. وهذا دليل على التخبط وفساد الرأي.
وقد رسمت السورة صورة الكافرين يذوقون عذاب جهنم ويقال لهم : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤).
أي تعرضوا لعذاب النار وقد كنتم تستعجلون مجيئه ، استهزاء بأمره واستبعادا لوقوعه.
وعلى الضفّة الاخرى ، وفي الصفحة المقابلة ، يرتسم مشهد آخر لفريق آخر ، فريق مستيقن بالآخرة ، مستيقظ للعمل الصالح ، فريق المتقين الذين أدّوا حقوق الله سبحانه بالصلاة وقيام الليل ، وأدّوا حقوق الناس بالزكاة والصدقة.
آيات الله في الأرض والسماء
تشير الآية ٢٠ الى آثار قدرة الله في خلق الأرض ، فيقول سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠). وإذا تأمّلنا مضمون هذه الآية ، وجدنا أنّ هذا الكوكب الذي نعيش عليه معرض هائل لآيات الله وعجائب صنعته ، هذه الأرض تكاد تنفرد باستعدادها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته ، ولو اختلّت خصيصة واحدة من خصائص الأرض الكبيرة جدا لتعذر وجود هذا النوع من الحياة عليها. ولو تغيّر حجمها صغرا أو كبرا ، لو تغيّر وضعها من الشمس قربا أو بعدا ، لو تغيّر حجم الشمس ودرجة حرارتها ، لو تغير ميل الأرض على محورها هنا أو هنا ، لو