الذنب ، فقال لمن
حوله : أما إنّه قد صدقكم في ما أخبركم به. ونظر النبيّ إلى ماضي الرجل في الجهاد
، وحسن بلائه في الذود عن حرمات الإسلام ، فرغب في العفو عنه.
أمّا عمر بن
الخطاب ، فقد كبرت عليه هذه الخيانة ، فنظر إلى حاطب وقال له : قاتلك الله ، ترى
رسول الله يخفي الأمر ، وتكتب أنت إلى قريش؟ يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا
المنافق.
فتبسّم رسول الله
، من حماسة عمر ، وقال : وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطّلع على أهل بدر فقال
لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، فدمعت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم.
وفي هذه الحادثة
أنزل الله صدر سورة الممتحنة يحذّر المؤمنين من أن يوالوا عدوّهم ، أو يطلعوه على
بعض أسرارهم مهما يكن السبب الذي يدفع الى ذلك ، فإنّ العدوّ عدو حيثما كان ،
وموادّة العدوّ خيانة ليس بعدها خيانة. قال تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ
إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الآية ١].
فكرة السورة
تسير السورة مع
النفس الإنسانية ، تحاول جاهدة أن تربي المسلمين تربية خاصة ، عمادها الولاء
للدعوة وحدها ، والمودة لله ، والمحبة لله ، والتجمع على دعوة الله.
على هذا المعنى
قامت الدعوة الإسلامية ، وظهر الإيثار والأخوّة بين المهاجرين والأنصار.
ومن شعائر هذا
الدين بغض الفاسقين والملحدين في دين الله ، وقد انتهزت السورة فرصة ضعف حاطب ،
فجعلت ذلك وسيلة عملية لتهذيب النفوس ، ورسم المثل الأعلى للمسلم.
وقد عالجت السورة
مشكلة الأواصر القريبة ، والعصبيات الصغيرة ، وحرص النفوس على مألوفاتها الموروثة
، ليخرج المسلم من الضيق المحلي إلى الأفق العالمي الإنساني.
«لقد كان القرآن
بهذا الأسلوب في التربية ينشئ في هذه النفوس صورة جديدة ، وقيما جديدة ، وموازين
جديدة ، وفكرة جديدة عن الكون والحياة والإنسان ووظيفة المؤمنين في الأرض ، وغاية
الوجود الانساني.