وتعرض الآيات [٢٥ ـ ٢٧] طرفا من تاريخ دعوة الله في الأرض ، تبدو فيه وحدة المنهج واستقامة الطريق ، وأن الذي يحيد عنه في كل عهد هم الفاسقون.
وفي الآية الأخيرة من السورة ، هتاف ودعوة للمؤمنين لتقوى الله ، وصدق الإيمان برسوله ، وبذلك يعطيهم الله نصيبين من رحمته ويجعل لهم نورا يمشون به ويغفر لهم ، فضل الله ليس وقفا على أهل الكتاب كما يزعمون ، إنّما هو بيد الله ، سبحانه ، يؤتيه من يشاء (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩).
وهكذا تبدو السورة من أولها الى آخرها مترابطة الحلقات ، في خط واحد ثابت ، تتوالى إيقاعاتها على القلوب ، منوّعة ومتشابهة ، فيها من التكرار القدر اللازم ، لتعميق أثر الإيقاع في القلب ، وطرقه وهو ساخن ، وتلوين هذه المؤثّرات أمام المخاطبين : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (١١٣).
«وبعد ؛ فهذه السورة نموذج من النماذج القرآنية الواضحة ، في خطاب القلوب البشرية ، واستجاشتها بأسلوب عميق التأثير ؛ وهي في بدئها وسياقها وختامها ، وفي طريقة تناولها للموضوع وسيرها فيه جولة بعد جولة ، هي في هذا درس بديع للدعاة ، يعلّمهم كيف يخاطبون الناس ، وكيف يوقظون الفطرة ، وكيف يستحيون القلوب» (١).
قال الفيروزآبادي : «معظم مقصود السورة : الإشارة إلى تسبيح جملة المخلوقين والمخلوقات ، في الأرض والسماوات ، وتنزيه الحقّ في الذات والصفات ، وأمر المؤمنين بإنفاق النفقات والصدقات ، وذكر حيرة المنافقين والمنافقات في ساحة القيامة ، وبيان خسّة الدنيا وعزّ الجنّات ، وتسلية الخلق عند هجوم النكبات والمصيبات» (٢) في قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٢٣).
__________________
(١). في ظلال القرآن ٢٧ : ١٨٠.
(٢). بصائر ذوي التمييز للكتاب العزيز للفيروزآبادي ١ : ٤٥٣.