قد يكون ذاتيا لهما ، كما لو دلّ دليل على وجوب إكرام زيد في وقت خاص ودليل آخر على عدم وجوبه في ذلك الوقت ، أو على استحبابه ، فهما بذاتيهما متناقضان أو متضادّان.
وقد لا يكون كذلك ، ولكن يلزم من صدقهما معا حصول أمر محال ، كما لو دلّ دليل على وجوب إكرام زيد ، وآخر على وجوب إكرام عمرو ، ولم يتمكّن المكلّف من الإتيان بكليهما ، فانّه لا تنافي بين مدلوليهما ذاتا ، ولكن امتنع تواردهما على شخص واحد ، لاستلزامه التكليف بما لا يطاق ، أو علم إجمالا بحرمة أحد إناءين دلّ دليلان أو أصلان على إباحتهما ، فانّه يلزم من الرّخصة في ارتكاب كلّ منهما الاذن في ارتكاب الحرام المعلوم بالإجمال ، وهو ممتنع ، أو دلّ دليل على وجوب الظهر والآخر على وجوب الجمعة ، وعلم من الخارج بأنّ الواجب على المكلّف ليس إلّا أحدهما ، فيستلزم صدق كلّ منهما ـ بعد فرض وحدة التكليف ـ كذب الآخر ، فيئول الأمر بالنسبة إلى كلّ من الصّلاتين إلى اجتماع النقيضين كما لا يخفى.
قوله قدسسره : ومنه يعلم أنّه لا تعارض ... الخ (١).
أقول : محطّ النظر في هذا المبحث بيان أنّ الاصول العملية لا تعارض الأدلّة الاجتهادية ، حيث أنّ الاصول العملية عبارة عن القواعد العقلية أو النقلية أو المقرّرة للجاهل بالأحكام الشرعيّة الواقعيّة ، فهي لا تصلح معارضة للأدلّة الرافعة للجهل بالواقع حقيقة أو حكما ، كما أوضحه المصنّف رحمهالله ، فما صدر من كثير من الأعلام في كثير من المقامات من جعل الاصول العملية معارضة للأدلّة الاجتهادية ، أو معاضدة لها ، امّا غفلة منهم ، أو مبنيّ على اعتبار الاصول لديهم من باب الظنّ ، أو غير ذلك من المحامل.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤٣١ سطر ٢٠ ، ٤ / ١١.