المعصوم ، وليس الحال كذلك في تقييم كتب الحديث ، لإناطة ذلك إلى أهل العلم القادرين على معرفة الصحيح من الأخبار.
ومن كلّ ما تقدّم يعلم أنّ الاغترار بحكاية « الكافي كافٍ لشيعتنا » وتصحيحها أو تلطيفها لا يستند على أيّ دليل علمي ، بل جميع الأدلّة المتقدّمة قاضية ببطلان تلك الحكاية التي لم يسمعها الكليني نفسه ، ولم يعرفها أحد من تلامذته ولم يكن لها وجود في عصر الغيبة الصغرى ( ٢٦٠ ـ ٣٢٩ هـ ) ولم يعرفها أحد ولا سمع بها أحد في أكثر من سبعة قرون بعد وفاة الكليني.
وأمّا نسبة هذه الحكاية إلى الشيخ خليل بن غازي القزويني ( م ١٠٨٩ هـ ) فغلط واضح ، لأنّ المحدّث الأسترآبادي الذي مات رحمهالله سنة ( ١٠٣٦ هـ ) أي قبل القزويني بأكثر من خمسين سنة ، قد أنكر هذه الحكاية ، وهو شيخ الأخباريّين في زمانه.
هذا ، ولا يستبعد أن يكون أصل حكاية « الكافي كافٍ لشيعتنا » من اشتباهات بعض المشايخ المغمورين من المتأخّرين في زمان رواج المنهج الأخباري بحديث الشيخ الصدوق الذي أسنده إلى الإمام الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : ( كهيعص ) (١) وأنّه قال عليهالسلام : « الكاف : كاف لشيعتنا ... » (٢) ، فانصرف ذهن المشتبه إلى كتاب الكافي ، ثمّ نسب هذا للإمام المهدي عليهالسلام بلحاظ أنّ الكليني لم يدرك الإمام الصادق عليهالسلام وإنّما عاش ومات قدسسره في زمان الغيبة الصغرى لإمام العصر والزمان عليهالسلام ، ثمّ راجت تلك المقولة بين المغفّلين حتى اضطرّ العلماء إلى تكذيبها صراحةً كما مرّ عن شيخ الأخباريّين الأسترآبادي رحمهالله.
بيان موقف علماء الشيعة من أحاديث الكافي :
لعلماء الشيعة ـ قديماً وحديثاً ـ إزاء أحاديث الكافي ثلاثة مواقف ، وهي :
الموقف الأوّل : النظر إلى روايات الكافي سنداً ودلالةً ، والتعامل معها على أساس معطيات علمَي الرجال والحديث درايةً وروايةً ، وهذا هو رأي الاصوليّين وأكثر العلماء والفقهاء والمحقّقين.
__________________
(١) مريم (١٩) : ١.
(٢) معاني الأخبار ، ص ٦٨ ، ح ٦.