قال أبو محمد : فهذه براهين ضرورية قاطعة بأن كل جزء فهو يتجزأ أبدا بلا نهاية وأن جزءا لا يتجزأ ليس في العالم أصلا ولا يمكن وجوده بل هو من المحال الممتنع وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : أما أبو الهذيل فخلط في هذا الباب ، وحق لمن رام نصر الباطل أن يخلط فقال : إن الجزء الذي لا يتجزأ ذو حركة وسكون يتعاقبان عليه ، وأنه يشغل مكانا لا يسع فيه معه غيره ، وأنه أقرب إلى السماء من مكانه الذي هو عليه من الأرض ، وهذا غاية التناقض إذ ما كان هكذا فله مساحة بلا شك ، وهو ذو جهات ست فلمساحته أجزاء من نصف وثلث وأقل وأكثر ، وما كان ذا جهات فالذي منه في كل جهة غير الذي منه في الجهة الأخرى بلا شك ، وما كان هكذا فهو جسم محتمل للتجزؤ بلا شك ، وما عدا هذا فوسواس نعوذ بالله منه.
قال أبو محمد : اختلفوا في تخليطهم هذا اختلافا طريفا أيضا ، فأجمعوا أنه إذا ضم جزء لا يتجزأ فصار اثنين فقد حدث لهما طول ، ثم اختلفوا متى يصير جسما له طول وعرض وعمق.
فقال بعضهم : إذا صار جزءين صار جسما وهو قول الأشعرية. وقال بعضهم : إذا صار له أربعة أجزاء وقال بعضهم بل إذا صار ستة أجزاء. واتفقوا على أنه إذا صار ثمانية أجزاء فقد صار جسما له طول وعرض وعمق ، وكل هذا تخليط ناهيك به وجهل شديد كان الأولى بأهله أن يتعلموا قبل أن يتكلموا بهذه الحماقات. برهان ذلك أنهم لم يختلفوا أنهم إذا صفّوا أربعة أجزاء لا تتجزأ ، وتحتها أربعة أجزاء لا تتجزأ ، فإنه قد صار عندهم مجتمع من هذه الأجزاء جسما طويلا عريضا عميقا.
قال أبو محمد : وهذا الذي طابت نفوسهم عليه وأنست عقولهم إليه في الثمانية ، وسهل على بعضهم دون بعض في ثلاثة أجزاء تحتها ثلاثة أجزاء ، وفي جزءين تحتهما جزءان ، ومنعوا كلهم من ذلك في جزء على جزء حاشا الأشعرية ، وإنه بعينه موجود على أصولهم المخذولة وأقوالهم المرذولة في جزء على جزء سواء سواء بعينه ، وذلك أن أربعة أجزاء على أربعة أجزاء فإنما الحاصل منها جزء على جزء فقط من كل جهة ، فإذا جعلوا للأربعة على الأربعة طولا فإنما جعلوه في جزء إلى جنب جزء وكذلك فعلوا في العرض ، وكذلك فعلوا في العمق ، فإذ هو كذلك والطول عندهم يوجد في جزء إلى جنب جزء والعرض يوجد جنب الطول ، لأن العرض لا يكون أكثر من الطول أصلا والعمق موجود فيهما أيضا فظهر أيضا أن لكل جزء منها طولا وعرضا