أنه كان قبل إسلامه مقرا بالله عزوجل عالما به ، كما هو بعد إسلامه لم يزد في توحيده شيء ، فكابروا العيان وكذبوا الكواف بحمق وقلة حياء ، لا نظير له.
وقال الباقلاني في كتابه المعروف «بالانتصار في القرآن» : معنى قول الله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [سورة الزمر : ٧] وقوله تعالى : (لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [سورة البقرة : ٢٠٥] إنّما معناه لا يحب الفساد لأهل الصلاح. ولا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا ، ولم يرد أنه لا يرضاه لأحد من خلقه ولا يحبه لأحد منهم. ثم قال : وإن كان قد أحب ذلك ورضيه لأهل الكفر والفساد.
قال أبو محمد : وهذا تكذيب لله تعالى مجرد ، ثم أيضا أخبر بأن الكفار فعلوا من الكفر أمرا رضيه الله تعالى منهم وأحبه منهم ، فكيف يدخل هذا في عقل مسلم مع قوله تعالى : (اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [سورة محمد : ٢٨] ...؟ واعجبوا لظلمة جهله إذ لم يفرق بين إرادة الكفر والمشيئة والخلق له وبين الرضى والمحبة. وقال أيضا فيه : إن أقل من سورة من القرآن ليس معجزا أصلا ، بل هو مقدور على مثله. وقال أيضا في السفر الخامس من الديوان المذكور : إن قيل كيف تقولون أكان يجوز من الله تعالى أن يؤلف القرآن تأليفا آخر غير هذا يعجز الخلق عن مقابلته؟ قلنا : نعم هو تعالى قادر على ذلك ، وعلى ما لا غاية له من هذا الباب وعلى أقدار كثيرة وأعداد لا يحصيها غيره ، إلا إن كان تأليف الكلام ونظم الألفاظ لا بد أن يبلغ إلى غاية وحد لا يحتمل الكلام أكثر منه ولا أوسع ولا يبقى وراء تلك الأعداد والأوزان شيء تتناوله القدرة. قال : ولنا في هذه المسألة نظر في تأليف الكلام ونظم الأجسام وتصوير الأشخاص ، هل يجب أن يكون لا غاية لها أو ذات نهاية لا يحتمل المؤلف والمنظوم فوقها ولا ما هو أكثر منها أم لا ....؟
قال أبو محمد : هنا صرح بالشك في قدرة الله تعالى ألها نهاية كما يقول أبو الهذيل أخوه في الضلالة والكفر أم لا نهاية لها كما يقول أهل الإسلام ...؟ ونعوذ بالله من الضلال.
قال أبو محمد : ولقد أخبرني بعض من كان يداخلهم ، وكان له فيهم سبب قوي ، وكان من أهل الفهم والذكاء ، وكان يرى في باطن أمره عليهم ، أنهم يقولون إن الله تعالى مذ خلق الأرض فإنه خلق جسما عظيما ، يمسكها عن أن تهوي هابطة ، فلما خلق ذلك الجسم أفناه في الوقت بلا زمان ، وخلق آخر مثله يمسكها أيضا ، فلما خلقه أفناه إثر خلقه بلا زمان أيضا ، وخلق آخر وهكذا أبدا بلا نهاية.