وإبطال المشاهدة ، ثم أطرف شيء احتاجهم في هذه الطامة بأن الله عزوجل هو الذي خلق ذلك كله فقلنا لهم : أو ليس فعل كل حي مختار واختياره خلقا لله تعالى؟ فلا بدّ من قولهم نعم. فيقال لهم : فمن أين نسبتم الفعل إلى الأحياء وهي خلق الله تعالى ، ومنعتم من نسبة الفعل إلى الجمادات لأنه خلق الله تعالى ولا فرق ...؟ ولكنهم قوم لا يعقلون.
قال أبو محمد : وسمعت بعض مقدميهم يقول : إن من كان على معاصي خمسة من زنى وسرقة وترك صلاة وتضييع زكاة وغير ذلك ثم تاب عن بعضها دون بعض فإن توبته تلك لا تقبل ، وقد نص السّمناني على أن هذا قول الباقلاني وهو قول أبي هاشم الجبّائي ، ثم قال السّمناني : هذا فوق خارق للإجماع جملة ، وخلاف لدين الأمّة. هذا نص قول السّمناني في شيخه وشهدوا على أنفسهم (١) وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون (٢).
قال أبو محمد : هذا قول مخالف للقرآن والسنن ، لأن الله تعالى يقول : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة : ٧ ، ٨].
وقال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [سورة الأنبياء : ٤٧] الآية وقال تعالى : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) [سورة آل عمران : ١٩٥]. وبالضرورة يدري كل ذي مسكة من عقل أن التوبة من الزنا خير كبير ، فهذا الجاهل يقول إنه لا يراه صاحبه ، وأنه عمل ضائع عند الله عزوجل من مسلم مؤمن ، ومعاذ الله من هذا. وسر هذا القول الملعون وحقيقته التي لا بد لقابله منه أنه لا معنى لمن أصرّ على الزنا أو شرب الخمر في أن يصلي ولا في أن يزكي ، فقد صار يأمر بترك الصلوات الخمس ، والزكاة ، وصوم رمضان والحج ، فعلى هذا القول وقائله لعائن الله تترى ما دار الليل والنهار. ونصّ السّمناني عن الباقلاني شيخه أنه كان يقول : إن الله لا يغفر الصغائر باجتناب الكبائر.
قال أبو محمد : وأنا سمعت بعض مقدميهم ينكر أن يكون في الذنوب صغائر ، وناظرته بقول الله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [سورة النساء : ٣١] وقلت : بالضرورة يدري كل ذي فهم أنه لا كبائر إلا بالإضافة إلى ما هو أصغر منها ، وهي السيئات المغفورة باجتناب الكبائر بنص كلام الله تعالى فقولك هذا
__________________
(١) قال تعالى في سورة الأنعام الآية ١٣٠ : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ).
(٢) نصّ الآية ٣٠ من سورة القلم : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ).