وقالوا كلهم : إن النظر في دلائل الإسلام فرض وإنه لا يكون مسلما حتى ينظر فيها وإن من شروط الناظر فيها أن يكون ولا بد شاكّا في الله عزوجل وفي صحة النبوة ، ولا يصح النظر في دلائل النبوة ودلائل التوحيد لمن يعتقد صحتها.
قال أبو محمد : والله ما سمع قط بأقبح في الكفر من قول من أوجب الشك في الله تعالى وفي صحة النبوة فرضا على كل متعلم ، ولا نجاة له إلّا به ولا دين لأحد دونه ، وأن اعتقاد صحة التوحيد لله تعالى ، وصحة النبوة باطل لا يحل ، فحصل من كلامهم أن من لم يشك في الله تعالى ولا في صحة النبوة فهو كافر ، ومن شك فيهما فهو محسن مؤدّ ما وجب عليه ، وهذه فضيحة وحماقة اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول ومن كل قائل به. ثم لم يجدوا في أمد الاستدلال حدا فليت شعري على هذا القول الملعون هو معتقده والدّاعي إليه كيف يكون حال من قبل وصيتهم هذه التي هي وصية الشيطان الرجيم فيدين بالشك في الله تعالى وفي النبوة ، وامتد به أمد الاستدلال أياما وأشهرا أو ساعات مات فيها أين مستقره؟ ومصيره إلى النار والله خالدا مخلدا أبدا ، وبيقين ندري أن قائل هذه الأقوال مطالب للإسلام كما بدّ له مرصد لأهله داعية إلى الكفر ، ونعوذ بالله من الضلال.
وقالوا كلهم : إن إطعام رسول الله صلىاللهعليهوسلم المئين والعشرات من صاع الشعير ، مرة بعد مرة ، وسقيه الألف والألوف من ماء يسير ينبع من بين أصابعه ، وحنين الجذع ، ومجيء الشجرة ، وتكلم الذراع ، وشكوى البعير ، ومجيء الذنب ، ليس في شيء من ذلك دلالة على صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نبوته لأنه عليهالسلام لم يتحدّ الناس بذلك ولا يكون عندهم آية إلا ما تحدّى به الكفار فقط ، وهذا تكذيب منهم للنبي صلىاللهعليهوسلم في قوله إذ فعل ذلك أشهد أني رسول الله ، وهذا أيضا قول افتروه ، خالفوا فيه جميع أهل الإسلام.
وقالوا كلهم : ليس لشيء من الأشياء نصف ، ولا ثلث ، ولا ربع ، ولا سدس ، ولا ثمن ، ولا عشر ولا بعض ، وأنه لا يجوز أن يقال الفرد عشر العشرة ولا أنه بعض الخمسة ، وحجتهم في ذلك أنه لو جاز أن يقال ذلك لكان عشرا لنفسه وبعض نفسه.
قال أبو محمد : وهذا جهل شديد لأنه إنما هو بعض من جملة يكون سائرها غيره ، وعشر جملة يكون سائرها غيره ، ونسوا أنفسهم فقالوا بالجزء الذي لا يتجزأ ، ونسوا إلزام أنفسهم أن يكون جزء لنفسه ، وكل هذا تكذيب لله عزوجل إذ يقول في القرآن (فَلَهَا النِّصْفُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ فَلَكُمُ الرُّبُعُ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ) [سورة النساء : ١١ ، ١٢](بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [سورة التوبة : ٧١] وهذا