[سورة آل عمران : ١٦٩ ، ١٧٠] ولقوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر : ٤٢].
وخلاف للسنن الثابتة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم المنقولة نقل التواتر من رؤيته صلىاللهعليهوسلم الأنبياء عليهمالسلام ليلة أسري به في السماء ، وما جرى له مع موسى عليهالسلام في عدد الصلوات المفروضات وأن أرواح الشهداء نسمة تعلق في ثمار الجنة ، وما يلقى الروح عند خروجه من الفتنة والمساءلة له ، وإخباره عليهالسلام أنه رأى عن يمين آدم نسم بنيه من أهل الجنة وعن يساره نسم بنيه من أهل النار (١) وسائر السنن المأثورة.
قال أبو محمد : ثم خجلوا من هذه العظيمة وتبرأ منهم إبليس الذي أورطهم فيها ، فشكوا فقالوا في كتبهم : فإن لم يكن هذا فإن الروح تنتقل عند خروجه من الجسم إلى جسم آخر. هكذا نص الباقلاني في أحد كتبه وأظنه الرسالة المعروفة «بالحرة» وهذا مذهب التناسخ بلا كلفة. وقال السّمناني في كتابه : إن الباقلاني وأصحابه قالوا : إن كل ما جاء في الخبر من نقل أرواح الشهداء إلى حواصل طير خضر وأن روح الميت ترد إليه في قبره ، وما جرى مجرى ذلك من وصف الروح بالقرب والبعد والحركة والانتقال والسكون والعذاب ، فكل ذلك محمول على أقل جزء من أجزاء الميت أو الشهيد أو الكافر ، وإعادة الحياة في ذلك الجزء.
قال أبو محمد : وهذا طريق من الهوس جدا ، وتطايب بالدين ، ولقد أخبرني ثقة من أصحابي أنه سمع بعض مقدميهم يقول إن الروح إنما تبقى في عجب الذنب لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كلّ ابن آدم يأكله التّراب إلّا عجب الذّنب منه خلق وفيه يركب» (٢).
قال أبو محمد : وهذا التأويل أقرب إلى الهزل منه إلى أقوال أهل الإسلام ، ونعوذ بالله من الخذلان ، فإنما هذه تائر دون مذهبهم الخبيث الذي ذكرنا آنفا.
__________________
(١) حديث الإسراء الطويل رواه البخاري في الصلاة باب ١ ، وأحاديث الأنبياء باب ٥. ومسلم في الإيمان حديث ٢٦٣. وأحمد في المسند (٥ / ١٤٣).
(٢) رواه بأسانيد وطرق مختلفة : البخاري في تفسير سورة ٣٩ باب ٣ ، وسورة ٧٨ باب ١. ومسلم في الفتن حديث ١٤١ و ١٤٢ و ١٤٣. وأبو داود في السنّة باب ٢٢. والنسائي في الجنائز باب ١١٧. وابن ماجة في الزهد باب ٣٢. ومالك في الجنائز حديث ٤٩. وأحمد في المسند (٢ / ٣٢٢ ، ٤٢٨ ، ٤٩٩ ، ٣ / ٢٨).