قال أبو محمد : فكذبوا القرآن في قول الله عزوجل (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) [الفتح : ٢٩] وكذبوا الأذان وكذبوا الإقامة التي افترضها لله تعالى خمس مرات كل يوم وليلة على كل جماعة من المسلمين ، وكذبوا دعوة جميع المسلمين التي اتفقوا على دعاء الكفار إليها ، وعلى أنه لا نجاة من النار إلا بها ، وأكذبوا جميع أعصار المسلمين من الصحابة فمن بعدهم في إطباق جميعهم برّهم وفاجرهم على الإعلان بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، ووجب على قولهم هذا الملعون أن يكذب المؤذنون والمقيمون ودعاة الإسلام في قولهم : محمد رسول الله ، وأن الواجب أن يقولوا : محمد كان رسول الله. وعلى هذه المسألة قتل الأمير محمود بن سبكتكين مولى أمير المؤمنين وصاحب خراسان رحمهالله ابن فورك شيخ الأشعرية ، فأحسن الله جزاء محمود على ذلك ولعن ابن فورك وأشياعه وأتباعه (١).
قال أبو محمد : إنما حملهم على هذا الكفر الفاحش قول لهم آخر في نهاية الضلال والانسلاخ من الإسلام ، وهو قولهم إن الأرواح أعراض تفنى ، ولا تبقى وقتين ، لأن روح كل واحد منا الآن هو غير روحه الذي كان له قبل ذلك بطرفة عين ، وأن كل واحد منا يبدل أزيد من ألف ألف روح في كل ساعة زمانية ، وأن النفس إنما هذا الهواء الخارج بالتنفس حارا بعد دخوله باردا ، وأن الإنسان إذا مات فني روحه وبطل ، وأنه ليس لمحمد ولا لأحد من الأنبياء عند الله تعالى روح ثابتة تنعم ، ولا نفس قائمة تكرّم ، وهذا خروج عن إجماع أهل الإسلام ، فما قال بهذا أحد ممن ينتمي إلى الإسلام قبل أبي الهذيل العلاف ، ثم تلاه هؤلاء ، وهذا خلاف مجرد للقرآن وتكذيب لله عزوجل إذ يقول (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) [سورة الأنعام : ٩٣] وإذ يقول عزوجل في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) [سورة غافر : ٤٦] الآية. وإذ يقول عزوجل (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) [سورة البقرة : ١٥٤] وقال عزوجل : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)
__________________
(١) انظر تفاصيل مقتل ابن فورك ومحنته في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٤ / ١٣٠ ـ ١٣٣). وانظر ترجمة ابن فورك في إنباه الرواة (٣ / ١١٠) ووفيات الأعيان (٤ / ٢٧٢) والوافي بالوفيات (٢ / ٣٤٤) ومرآة الجنان (٣ / ١٧) وسير أعلام النبلاء (١٧ / ٢١٤) وطبقات الشافعية للإسنوي (٢ / ٢٦٦) والنجوم الزاهرة (٤ / ٢٤٠) وشذرات الذهب (٣ / ١٨١) وغيرها.