بأن الله تعالى لا يقدر فقالوا لا يوصف بالقدرة على شيء مما ذكرنا.
قال أبو محمد : ولا راحة لهم في هذا لأننا نقول لهم : ولم لا نصفه بالقدرة على ذلك؟ ألأنه يقدر على كلّ ذلك ولأن له قدرة على ذلك؟ أم لأنه لا يقدر على كل ذلك ، ولا له قدرة على شيء من ذلك؟ ولا بد من أحدهما بضرورة العقل. وهنا ضلت حيلهم الضعيفة ، ولا بد لهم من القطع بأنه لا يقدر ، وبأنه لا قدرة له على ذلك. وإذ قد صرحوا بذلك فبالضرورة بأول العقل ومسموع اللغة كلاهما يوجب أن من لا يقدر على شيء فهو عاجز عنه ، وأن من لا قدرة له على شيء فصفة العجز والضعف لا حقة به ، فلا بد لهم ضرورة من إطلاق اسم العجز على الله تعالى ووصفه بأنه عاجز ، وهذا حقيقة مذهبهم يقينا إلا أنهم يخافون البوار إن أظهروه.
وقال هذا الباقلاني : لا فرق بين النبي والسّاحر الكذاب المتنبّئ فيما يأتيان به إلا التحدي فقط ، وهو قول النبي لمن بحضرته : هات من يعمل كعملي ، وهذا إبطال للنبوة مجرد. وقال الباقلاني وابن فورك وأتباعهما من أهل الضلالة والجهالة : ليس لله تعالى أسماء البتة وإنما له تعالى اسم واحد فقط ليس له اسم غيره ، وأن قول الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [سورة الأعراف : ١٨٠]. إنما أراد أن يقول : لله التسميات الحسنى فذروا الذين يلحدون في تسمياته. قالوا : وكذلك قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد» (١). وإنما أراد أن يقول تسعة وتسعين تسمية فقال تسعة وتسعين اسما.
قال أبو محمد : ما في البرهان على قلة الحياء وفساد الدين واستسهال الكذب أكثر من هذا. وليت شعري من أخبرهم عن الله تعالى وعن رسوله صلىاللهعليهوسلم بهذا الإفك ، ثم ليت شعري إذ زعموا أن الله تعالى أراد أن يقول له التسميات الحسنى فقال له الأسماء الحسنى ، لأي شيء فعل ذلك أللكنة أم غفلة أم تعمد لإضلال عباده؟! ولا سبيل والله إلى رابع ، فاعجبوا لعظيم ما حل بهؤلاء القوم من الدعار والتبار والكذب على الله عزوجل جهارا وعلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلا رقبة ، ونعوذ بالله من الضلال ، مع أن هذا قول ما سبقهم إليه أحد. وقالوا كلهم : إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ليس هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم اليوم لكنه كان رسول الله.
__________________
(١) رواه البخاري في التوحيد باب ١٢ ، والشروط باب ١٨ ، والدعوات باب ٦٩. ومسلم في الذكر والدعاء والاستغفار حديث ٥ و ٦. والترمذي في الدعوات باب ٨٢. وابن ماجة في الدعاء باب ١٠.