محض ، وحماقة لا خفاء بها ، أما الكفر فإبطاله أن وجود الأشياء في الأوقات التي وجدت فيها ، إنما وجدت لأجل قول الله تعالى لها كن ، وإيجابه أن الأشياء لم توجد في أحيان وجودها لقول الله تعالى لها كن. وهذا تكذيب لله تعالى صرف ، وخروج عن إجماع أهل الإسلام ، وكلّ من يصلي إلى القبلة قبلهم. ومن الكفر الصريح أيضا في هذا الكلام الملعون قوله : إن صفة الاقتضاء لا تختلف في ذلك بين القديم والمحدث ، فسوّى بين الله تعالى وخلقه ، وأما الحماقة فقوله : لو وجدت الأشياء من أجل قول الله تعالى لها (كُنْ) لوجب أن يوجد قول غيره لها «كن» فيا للمسلمين هل سمع في الحمق والرعونة وقلة الحياء أكثر من قول من سوّى بين قول الله عزوجل (كُنْ) إذا أراد تكوينه وبن قول غيره من الناس (كن) ..؟؟ وهذا أخبث من قول الدّهرية ونعوذ بالله من الضلال ، فلولا الخذلان ما انطلق بهذا النوك لسان من يقذف بالحجارة في الشوارع ، وما شبهت هذا الكلام إلا كلام النذل «أبي هاشم الجبائي» لو لم يجز لنا أن نسمّي الله عزوجل باسم حتى يأذن الله لنا في ذلك لوجب أن لا يجوز لله أن يسمي نفسه حتى يأذن له غيره في ذلك.
قال أبو محمد : وهذه أقوال لو قالها صبيان يسيل مخاطهم ليئس من فلاحهم ، وتالله لقد لعب الشيطان بهم كما شاء فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقالت الأشعرية كلها : إن الله لا يقدر على ظلم أحد البتة ، ولا يقدر على الكذب ، ولا على أن يقول المسيح ابن الله ، حتى يقول قبل ذلك. وقالت النصارى : وإنه لا يقدر على أن يقول عزير ابن الله حتى يقول قبل ذلك. وقالت النصارى : وإنه لا يقدر على أن يقول عزير ابن الله حتى يقول قبل لك. وقالت اليهود ، وإنه لا يقدر على أن يتخذ لهوا ، وإنه لا يقدر على أن يتخذ ولدا ، وإنه لا يقدر البتة على إظهار معجزة على يدي كذاب يدّعي النبوة ، فإن ادعى الإلهية كان الله تعالى حينئذ قادرا على إظهار المعجزات على يديه ، وإنه تعالى لا يقدر البتة على أن يقسم الجزء الذي لا يتجزأ ولا على أن يدعو أحدا إلى غير التوحيد ، وهذا نص كلامهم وحقيقة معتقدهم ، فجعلوه تعالى عاجزا متناهي القوة محدود القدرة ، يقدر مرة ولا يقدر أخرى ، ويقدر على شيء ولا يقدر على آخر ، وهذه صفة النقص ، وهم مع هذا يقولون : إن الساحر يقدر على قلب الأعيان ، وعلى أن يمسخ إنسانا فيجعله حمارا على الحقيقة ، وعلى المشي في الهواء وعلى الماء ، فكان الساحر عندهم أقوى من الله تعالى.
قال أبو محمد : وخشوا مبادرة أهل الإسلام لهم بالاصطلام (١) فجبنوا أن يصرحوا
__________________
(١) الاصطلام : الاستئصال (المعجم الوسيط : ص ٥٢١).