قط على القول بأن الله تعالى مساو لخلقه قبل هذه الفرقة الملعونة ، ثم العجب قطعهم بأن الله تعالى عزوجل غائب غير شاهد وحاشى لله عن هذا ، بل هو معنا وأقرب إلينا من حبل الوريد ، كما قال عزوجل إنه حاضر في العقول غير غائب. وقال الباقلاني : ما وجد في الله تعالى من التسميات فإنه لا يجوز إطلاقها عليه ، وإن لم يسمّ بذلك نفسه ما لم يرد شرع يمنع من ذلك.
قال أبو محمد : هذا نصّ منه على أن هاهنا معاني توجد في الله عزوجل مع الإلحاد في أسمائه ، إذ جاز تسميته بما لم يسمع به عزوجل نفسه ، تعالى الله عن هذا علوّا كبيرا. وقالوا كلهم : إن الله تعالى ليس له إلا كلام واحد ، وليس له كلمات كثيرة.
قال أبو محمد : هذا كفر مجرد لخلافه القرآن ، وتكذيب لله تعالى في قوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [سورة الكهف : ١٠٩].
وإذ يقول تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [سورة لقمان : ٢٧]. مع أن قولهم ليس لله إلا كلام واحد ، قول أحمق لا يعقل ولا يقوم به برهان تشريعي ، ولا يتشكل في هاجس ولا يوجبه عقل ، إنما هو هذيان محض. ويقال لهم : لا يخلو القرآن عندهم من أنه كلام الله تعالى أو ليس هو كلام الله تعالى ، فإن قالوا : ليس هو كلام الله تعالى كفروا من قرب وكفى الله تعالى مئونتهم. وإن قالوا هو كلام الله فالقرآن مائة سورة وأربع عشرة سورة ، فيها ستة آلاف آية ونيف ، كل سورة منها عند أهل الإسلام غير الأخرى ، وكل آية غير الأخرى ، فكيف يقول هؤلاء النوكى (١) إنه ليس لله تعالى إلّا كلام واحد ...؟ أما إنّ هذا من الكفر البارد والقحة السمجة. ونعوذ بالله من الضلال. وقالوا كلهم إن القرآن لم ينزل به قط جبريل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام ، إنما نزل عليه بشيء آخر هو العبارة عن كلام الله وأن القرآن ليس عندنا البتة إلا على هذا المجاز ، وأن الذي نرى في المصاحف ونسمع من القرآن ونقرأ في الصلوات ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتة ، ولا شيء منه كلام الله تعالى البتة بل شيء آخر ، وأن كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله تعالى.
قال أبو محمد : وهذا من أعظم الكفر لأن الله تعالى قال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ
__________________
(١) النوكى : الحمقى.