أجابوا : نعم (شَهِدْنا) بذلك على أنفسنا بأنك ربّنا وخالقنا. وقيل إن قول : شهدنا ، هو من قول الملائكة الذين سمعوا ذلك الاعتراف ، وهذا خلاف ظاهر الكلام الذي لا ينبغي أن ينتهي عند : بلى ، بدليل قوله تعالى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ).
وقد ذكر المفسرون شروحا مختلفة للإشهاد. فقالوا : إن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه كهيئة الذّر ، وعرضهم على آدم وقال : إني آخذ على ذريتك ميثاقهم أن يعبدوني ولا يشركوا بي شيئا ، وعليّ أرزاقهم ، ثم قال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى ، إنك ربّنا. فقال للملائكة : اشهدوا. فقالوا : شهدنا. وقيل إنه سبحانه جعلهم عقلاء واعين لخطابه ، ثم ردّهم إلى صلب آدم. وفي المجمع أن هذا القول ردّه المحققون لأنه بخلاف ظاهر القرآن ، إذ قال سبحانه : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) ولم يقل : من آدم. وقال : من ظهورهم ، ولم يقل : من ظهره ، وقال : ذرّيتهم ، ولم يقل : ذرّيته. كما أن في الآية ما يقتضي أن يكون المشرك من أب مشرك ، وهذا لا يتناول ولد آدم من صلبه.
وقالوا : أخرج الله بني آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام أمهاتهم ثم رقّاهم درجة بعد درجة من نطفة إلى مضغة إلى علقة ... إلى بشر سويّ يولد ويصير مكلّفا فأراه آثار صنعه ومكّنه من معرفة دلائل وحدانيته ، فأشهده بذلك على نفسه بعد أن جعله عاقلا مفكرا واعيا ، فكان ذلك كله بمنزلة الشهادة منه على نفسه. ويظهر ذلك قوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ، قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ولم يكن منه سبحانه خطاب ولا منهما جواب. ومثله أيضا قول الشاعر :
وقالت له العينان سمعا وطاعة |
|
وحدّرتا كالدّر لمّا يثقّب |
فلم تتكلم العينان ، ولكنه استخلص كلامهما من دمعهما.
وقالوا أيضا إنه تعالى عنى جماعة خاصة من ذرّية آدم خلقهم وأكمل عقولهم وقرّرهم على ألسن رسله عليهم الصلاة والسلام ، فأقرّوا بالرّبوبية