وأشهدهم على أنفسهم. وعلى هذا فلا يدخل جميع ولد آدم في الموضوع ، وأول الأقوال هو الأصوب والأليق والأوفق لما بين أيدينا من أخبار.
والحاصل أنه سبحانه ـ بطريقة أو بغيرها لا تدركها عقولنا ولا تستوعبها أفهامنا ـ قد أخذ هذا الإقرار على بني آدم ، وأشهدهم على أنفسهم ، وكأنه قال سبحانه لهم : فعلت ذلك مخافة (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي لئلا تقولوا إذا واجهتم العذاب والعقاب : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا) الواقع (غافِلِينَ) لم تنبّهنا إليه ولم ترشدنا إلى دلائلك وحججك لنفكّر ونقدّر ونعمل لهذا اليوم. وقوله : أن تقولوا ، معناه : كراهة أن تقولوا ، أو : لئلا تقولوا. وقد مرّ سابقا ما يشبهه.
١٧٣ ـ (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا ...) أي أشهدناكم على أنفسكم لئلا يقول بعضكم ممّن تحدّروا من أصلاب مشركين : قد أشرك بك آباؤنا يا رب وعبدوا معك غيرك حين بلغوا سنّ الرّشد (وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) جئنا من أصلابهم وتولّدنا منهم وكنّا خلفا لهم ولم نتدبّر ولم نتفكّر في حال طفوليّتنا فأورثونا الشّرك (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) أي هل توردنا الهلاك بفعلهم المبنيّ على الباطل؟ فقد قطعت حجة هؤلاء بعد أن شهدوا على أنفسهم وصار احتجاجهم بتقليد آبائهم لا يجديهم فتيلا ، وجوابهم منه سبحانه : لا نهلككم بفعل آبائكم ولكن بفعلكم أنتم لأنه يخالف إقراركم.
١٧٤ ـ (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ...) : أي كما أوضحنا لكم هذه الآيات البيّنات ، كذلك نبيّنها لسائر عبادنا ليتمكّنوا من الاستدلال بكل واحدة منها على الوهيّتنا وربوبيّتنا (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي بأمل أن يتفكروا ويعودوا عن الباطل إلى الحق.
* * *
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ