أيضا : أنا ذاهب ، وسيأتيكم الغارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه. إنه نذيركم بجميع الحق ، ويخبركم بالأمور المزمعة ، ويمدحني ويشهد لي. فهذا النبيّ الكريم (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) فلا يأمر إلّا بما فيه خير الدنيا والآخرة ولا ينهى إلّا عمّا فيه شرّ في الدنيا والآخرة ، لأن المعروف هو الحق ، والمنكر هو الباطل ، وفي هذه الشريفة مدح للنبيّ صلىاللهعليهوآله لأنه يفعل ذلك ويأمر بمكارم الأخلاق وصلة الأرحام. ولفظة يجدونه : من : وجد المتعدي إلى مفعولين. فالهاء مفعول أول ، ومكتوبا مفعول ثان. والمعنى يجدون ذكره مكتوبا. فالاسم الأول قام مقام المضاف إليه. وقوله : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) تفسير لما كتب. (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) المستلذات الحسنة من طعام وشراب ونكاح وغيره (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) أي القبائح التي تمجّها النفوس. وقيل يحل لهم ما حرّمه عليهم رهبانهم وأهل جاهليتهم من البحائر والسوائب وغيرهما (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) أي يخفّف عنهم ثقلهم في التكليف فقد كانت توبة بني إسرائيل لا تقبل إلّا بقتل التائب نفسه في حين أن توبة المسلم تقبل بالندم والإقلاع عن الذنب كرامة للنبيّ الكريم صلوات الله عليه وعلى أهل بيته. وقيل إن الإصر هو العهد الذي كان قد أخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة ، وقد عرّفه الزجّاج بما عقدته من عقد ثقيل وهو أحسن التعاريف. (وَ) هو أيضا يضع عنهم (الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) أي يعفيهم من العهود التي في ذمّتهم. وقد شبّه العهود بالأغلال التي تطوّق الأعناق ، وهذا من محاسن التشبيه. والأغلال مفردها : غلّ ، وهو القيد. ومنها أنهم كانوا يقتلون أنفسهم بالتوبة كما قلنا ، وكانوا يقصّون ما يصيبه البول من أجسادهم ، وابتلوا بتحريم السبت وتحريم العروق والشحوم في الذبائح ووجوب القصاص بدل دفع الدية وغير ذلك (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) صدّقوا بهذا النبيّ الأميّ الموعود (وَعَزَّرُوهُ) أي وقّروه وحموه من أعدائه (وَنَصَرُوهُ) عليهم (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي ساروا بحسب تعاليم القرآن الذي