شفته ، أو يضرب يدا بيد. أو أنه ـ كما ذكر الشيخ المفيد رحمهالله ـ أراد أن يظهر لقومه ما اعتراه من الغضب على قومه لما صاروا إليه من الكفر والارتداد ، فصدر منه ذلك تألما وإعلاما لهم بعظم الحال عنده لينزجروا عمّا وقعوا فيه. وقيل بل ـ رأى هارون (ع) في حالة جزع مما هم عليه فأخذ برأسه مهدّئا ومتوجّعا له ، فحكى هارون له براءته فدعا له ولنفسه لتظهر براءته. وقيل : بل أنكر على أخيه فعل قومه لأنه قال له : ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا أن لا تتّبعن؟ ف (قالَ) هارون (ابْنَ أُمَ) أي : يا أخي من أمي. وقد قالها استعطافا مع أنه : من أبيه وأمه. وقرئ : ابن أمّ على الترخيم ، والأصح اعتباره اسما واحدا إذ يقال : يا ابن أمّ ويا ابن عمّ كما يقال : خمسة عشر ، فبني الاسمان على الفتح بحيث صارت الفتحة التي على : ابن ليست النصبة التي تقع على المنادي المضاف .. فقد قال له مستعطفا : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي) أي نظروا إليّ نظر مستضعف بينهم (وَكادُوا) أوشكوا (يَقْتُلُونَنِي) وهمّوا بذلك لشدّة ما رأوا من إنكاري لعملهم (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) أي لا تجعلهم شامتين بي ، مسرورين لإهانتي وتوبيخي (وَلا تَجْعَلْنِي) تعتبرني (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين عبدوا العجل وأثاروا حفيظتك عليهم لارتدادهم.
١٥١ ـ (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي ...) أي : قال موسى (ع) بعد أن ألفت نظره أخوه هارون (ع) إلى أن لا يشمت به الأعداء كيلا يظنوا به الظنون : ربّ اغفر لي ولأخي. وهذا خشوع منه لا يدل على أن أحدهما ارتكب كبيرة أو صغيرة والعياذ بالله لأن الأنبياء معصومون منزّهون عن المعاصي وعن كل قبيح ، فهو ابتهال وانقطاع إلى الله سبحانه أن اغفر لنا ما يمكن أن يكون قد بدر منّا مما هو بخلاف الأولى (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) أي واشملنا برأفتك (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أرأف من كل رؤف.
* * *