وذكر الجنة والنار وغير ذلك مما تعمّه عبارة : كل شيء (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) وهذا خطاب لموسى (ع) يعني به : خذها بجدّ وقوة قلب ، وباجتهاد وصدق عزيمة (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي احمل قومك على أخذ أحسن ما فيها من فرائض الله سبحانه ونوافله. وقيل : أن يأخذوا بالناسخ دون المنسوخ ، وهو رأي لا يعتدّ به لأن المنسوخ لم يعد حسنا (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) التي هي جهنم كما لا يخفى ، فإنه سيريها للناس يوم القيامة ، فليكونوا على حذر منها. وقيل معناه : سأريكم ديار فرعون وقومه ، وديار الأمم السالفة التي انتقمنا منها وأنزلنا بها العذاب لتعتبروا برؤية ما حلّ بها.
١٤٦ ـ (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ ...) أي سأحوّل نظر المتكبّرين في الأرض عن دلائلي التي تثبت النبوّة وتهدي إلى الحق فتظهر لهم بحيث لا ينتفعون بها كغيرهم من المؤمنين. وقيل معناها : سأمنع المتكبّرين آياتي ومعجزاتي وأخص بها الأنبياء الذين هم أهل لها ، وهو ضعيف. وقيل أيضا : الصرف معناه المنع من إبطال الحجج والبراهين والآيات والقدح فيها بشكل يخرجها عن كونها أدلة مقنعة ، أي : أصرفهم عن القدح في صحة دلالتها ، وألجم ألسنتهم عن الخوض في الطعن فيها. وقيل غير ذلك مما هو مذكور في التفاسير موسعا ، والأول أصح الأقوال ، لأنهم مستحقّون للصرف بسبب تكذيبهم وذهابهم مع كبريائهم وعجرفتهم ، وخصوصا إذا كانوا من المتكبّرين في الأرض (بِغَيْرِ الْحَقِ) فإن صاحب الحق سلطان ، والحق يعلو ولا يعلى عليه. فالمتكبّرون معاندون في كل حال (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) أي إذا رأوا أيّة دلالة أو حجة تدل على وحدانية الله سبحانه وصدق النبيّ الذي جاء بها ، لا يصدقون بها. وفي هذا القول منه تعالى دليل واضح على إخباره عنهم بعلمه السابق بهم وبكونهم يكذّبون رسله وأنبياءه (و) أنهم (إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) والرّشد هو الهدى الذي لا يسلكون الطريق المؤدية إليه ، والسبيل هي الطريق ، الرشد أيضا سلوك