وكل هذه الأقوال تعليلات لظاهر طلبه (ع) فقد طلب ما طلبه إبراهيم عليهالسلام مما يرسّخ العقيدة ويعمّق الإيمان مع جلالة رتب الأنبياء عليهمالسلام ف (قالَ) الله تبارك وتعالى : (لَنْ تَرانِي) لا تراني أبدا لأن : لن ، تنفي للتأبيد ، كقوله : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) ، وقوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) أمره سبحانه بالنظر إلى الجبل وعلّق رؤيته على استقرار ذلك الجبل الذي لا يستقر إذا تجلّت له قدرة الله ، فموسى لا يرى ربّه الذي جلّ عن الشبيه لأنه ليس بجسم ليرى (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) أي حين ظهر أمر ربّه للجبل وما فيه ومن فيه ، وبدت آياته التي أحدثها في الجبل (جَعَلَهُ دَكًّا) أي خسفت به الأرض وصار مستويا مع ما حوله كأنه ساخ وابتلعته الأرض. وقيل إن الله تعالى أبرز من العرش مقدار الخنصر فاندكّ به الجبل. وقال ابن عباس : معناه : ظهر نور ربّه للجبل فاندكّ (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) أي وقع مغشيّا عليه ، ومات السبعون الذين كانوا معه كلّهم من هول الظاهرة الهائلة (فَلَمَّا أَفاقَ) حين انتبه من غشيته التي قيل إنها حدثت عشية الخميس يوم عرفة وانتهت عشية يوم الجمعة وعندها نزلت عليه التوراة وفارقته صعقته وعاد إليه وعيه ف (قالَ سُبْحانَكَ) تنزيها لك عمّا لا يليق بك ، أو تنزيها لك عن أخذي بما فعل السفهاء من قومي حين طلبوا رؤيتك إني (تُبْتُ إِلَيْكَ) أقلعت عن أن أسأل ما ليس لي به علم. وهذا تسبيح منه وتهليل بعد ما ظهر له أمر جليّ جعله ينقطع إليه سبحانه وينيب إليه قائلا : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) المصدّقين. وعن الإمام الصادق عليهالسلام : معناه : أنا أول من آمن وصدّق بأنك لا ترى.
١٤٤ ـ (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ...) أي : قال الله جلّ وعلا لموسى : إني اصطفيتك : اخترتك وأخذتك صفوة من الناس بما فضّلتك عليهم (بِرِسالاتِي) التي بلّغتك إياها دون كلام (وَبِكَلامِي) من غير رسالة وهو ما سمعته عند طلب الرؤية. ومن المستحسن أن نشير إلى أنه سبحانه لم يكلّم سوى الملائكة ، ولم يكلّم من البشر سوى