ومما يدل على أنه الالتفاف قول ذي الرمّة :
عجزاء ممكورة خمصانة ، قلق |
|
عنها الوشاح وتمّ الجسم والقصب |
فالمكر التفاف في التدبير يحتوي مكروها لصاحبه.
وقد دخلت الفاء على : أفأمن ، للتعقيب. والمقصود بالمكر هنا العذاب ، وقد سمّاه مكرا لنزوله بحيث لا يعلمون. وقيل إن مكر الله للعباد يكون باستدراجهم بالصحة والسلامة ورغد العيش وطول العمر. ولكن في الواقع (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ) وأخذه على غرّة (إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) الذين لم يعملوا لآخرتهم فباؤوا بالخسران. وفي هذه الشريفة بيان لما يجب أن يكون عليه المكلّف من الخوف ليبادر إلى طاعة الله جلّ وعلا.
* * *
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))
١٠٠ ـ (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها ...) قرئ : أولم نهد بالنّون أيضا. وهذا استفهام أراد سبحانه به التقرير. والمعنى : أولم نبيّن ونوضح ، أو : ألم يبيّن الله تعالى للناس الذين يسكنون الأرض بعد الأمم الماضية التي أخذناها بالبأساء والضراء حين الجحود والطغيان (أَنْ لَوْ نَشاءُ) إذا أردنا (أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) رميناهم بعذاب فأهلكناهم عقابا لذنوبهم كما أهلكنا غيرهم من قبلهم؟ وقوله : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) : في موضع رفع على أنه فاعل ليهدي. والتقدير : أولم يهد لهم مشيئتنا (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) مرّ تفسير الختم على القلوب في سورة البقرة (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لا يعون الوعظ ولا يقبلون الوعد ولا يهتمّون