٩٣ ـ (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ...) يعني أن شعيبا (ع) انصرف عن قومه وأعرض عنهم حين يئس منهم مع كثرة جدالهم له وسعة صدره معهم ، وقال لهم قد أديت إليكم (رِسالاتِ رَبِّي) جميع ما أمرني بتبليغه لكم من أوامره ونواهيه ، فلم تؤمنوا ، وبقيتم على عنادكم (وَ) قد (نَصَحْتُ لَكُمْ) وجّهت إليكم النصائح فلم تقبلوها ، فاستوجبتم هذا الجزاء الأليم الذي حلّ بكم. وكأنه (ع) التفت على قومه حال نزول العذاب بهم وقال : (فَكَيْفَ آسى) يعني لا أحزن (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) ولا أتألم لما نزل بهم مما استحقوه بالكفر والعناد والإرصاد لله ولرسوله وللمؤمنين به. والتعبير موجود في صورة الاستفهام ، ولكنه يراد به النفي قطعا : أي : لا آسى على هؤلاء الكفرة. وفي هذه الآية الكريمة دلالة على أنه لا يجوز للمسلم أن يدعو للكافر بالخير ، وأنه لا يجوز الحزن على هلاكه مهما كان شكل هلاكه.
* * *
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥))
٩٤ ـ (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا ...) أي لم نرسل نبيّا في بلدة ما ، إلّا أخذنا (أَهْلَها) سكانها (بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) أي بالشّدة وما يضرّهم في أنفسهم وأموالهم إذا هم كذّبوه ووضعوا العراقيل في سبيل انتشار دعوته. نفعل بهم ذلك (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) ليدعوا الله فينجّيهم ، وليتوبوا عن شركهم ويعودوا عن كفرهم وعنادهم. وأصل يضّرعون : يتضرّعون ، وقد أدغمت التاء في الضاد. وقد ذكر هذا وما يليه تسلية لقلب نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وتطييبا لنفسه بعد تكذيب قومه له.