٩٠ ـ (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ...) أي قال هؤلاء الكفرة المعاندون مهدّدين من لم يكن مع شعيب ، ومحذّرين من كان معه : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) في دعوته ومشيتم معه في طريقته وانقدتم لأمره ونهيه تاركين دينكم وما أنتم عليه (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) ففي هذه الحال تكونون من المغبونين الذين أضاعوا رأس مالهم في الحياة. وإنكم لخاسرون جواب القسم ، وقد سدّ مسدّ جواب الشرط من قوله : لئن. أما : إذا فهي هنا زائدة.
٩١ ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ...) الرجفة : هي رجفة الأرض بالزلزلة والعياذ بالله. فقد حلّت بقوم شعيب زلزلة في آخر مرحلة من مراحل نوعيّة عذابهم الأليم. فقد قيل : أرسل الله عليهم رمدة وحرّا شديدا ضيّق أنفاسهم ، فدخلوا البيوت هربا من ذلك فوجدوا الضّيق قد دخلها عليهم ، ولم يقهم الحرّ لا الظلّ ولا الماء حتى شواهم كما تشوي النار اللحوم ، فأرسل الله تعالى سبحانه فيها ريح طيبة أحسّوا بردها فخرجوا يتفيّئون ظلّها ويستنشقون روحها ، فألهبها الله عليهم نارا فاحترقوا ، وحلّ بهم زلزال قوّض الأرض بهم. وهذا هو عذاب يوم الظّلة كما عن ابن عباس وعن أبي عبد الله عليهالسلام : بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا. وقد انتهى الأمر بهؤلاء المكذّبين أن كبكبوا على وجوههم داخل منازلهم وخارجها نكال تكذيبهم رسول الله.
٩٢ ـ (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ...) أي أن الذين استكبروا ووقفوا في وجه دعوة شعيب (ع) كأنهم لم يكونوا قد أقاموا في تلك البلاد ولم يعيشوا فيها مستغنين بها عما سواها. ويقال : غني بالمكان ، يغني غنىّ وغنيانا : أقام فيه ، كأنه استغنى به عن غيره. والمغاني المنازل كما لا يخفى. ف (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) كرر العبارة سبحانه وتعالى تأكيدا وتغليظا (كانُوا هُمُ) بذواتهم ، ودون غيرهم (الْخاسِرِينَ) وحدهم ، وقد نجا كلّ من آمن معه.